03/07/2022
2762 مشاهدة
إنّ علاقة العرب بالقارة الافريقية علاقة ذات جذور قديمة بنيت على الاحترام المتبادل، وخدمة القضايا المشتركة، وقد اتسعت وتطورت نتيجة للتواصل والتفاعل والاحتكاك المباشر بين الطرفين, وكان ذلك بعد ظهور الإسلام، ثم انتشاره فيما بعد في القارة الإفريقية بشكل واسع، إذ قام العرب بإنشاء الممالك الإسلامية المعروفة في السواحل الشرقية في القارة الأفريقية, ووسطها، وغربها، وجنوبها(1).
فنجد أن الإسلام قد دخل إفريقيا قبل أن ينتشر في الجزيرة العربية، عبر الهجرة الأولى للصحابة, اذ هاجروا إلى بلاد الحبشة بعد أن أشار اليهم الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله وسلم) بذلك, اذ كان بها ملكٌ لا يُظلم عنده أحد, وهي أرض صدق حتى يجعل الله لهم فرجاً مما هم فيه.
مملكة ﻣﺎﻟﻲ:
تُعد مملكة مالي من أقوى وأغنى الممالك التي قامت في السودان الغربي؛ اذ برزت متميزةً في أعظم مدة في التاريخ الإفريقي تقدماً وتطوراً، ولها يعود الفضل في توحيد القبائل الأفريقية داخل وحدات, أو ولايات, أو ممالك، اذ كان لسادة هذه المملكة الدور الكبير في نشر الإسلام في غرب أفريقيا.
وقامت مملكة مالي على أنقاض مملكة غانا التاريخية في الغرب الافريقي, واشتهرت مالي بأكثر من إسم، فهي تارة تسمى مملكة الماندنجو، وأخرى مملكة مالي، واخرى مملكة التكرور, ولقد كان الماندنجو(*) في نهاية القرن الحادي عشر الميلادي مسلمين.
واقترنت فتوحات مالي في شتى أجزاء غربي أفريقيا بنشر الإسلام وإقامة مؤسساته من مساجد ومدارس، فضلاً عن تشجيع الفقهاء والعلماء على ارتياد مالي للنهوض بالتعليم, والقيام بالدعوة الإسلامية(2).
ومن أشهر ملوك مالي (كنكن موسى), فيُذكر أنه كان يبني مسجداً في كل مدينة تدركه الجمعة فيها, وتمتع العلماء المسلمون بمنزلة عالية في مالي؛ اذ لم تكتف بإعتناق الإسلام والحرص على تطبيق علومه فحسب، وإنما أخذت تدعو له بين المدن والقرى في غرب أفريقيا، وإن الدور الذي قامت به في نشر الإسلام يعد من أهم مراحل انتشار الإسلام في أفريقيا؛ وساهم ذلك في اتساع مالي, وتمدد نفوذها كل ذلك بسبب نشر دعوة الإسلام في الممالك(3).
وفي ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺤﺎﺩﻯ ﻋﺸﺮ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩي -تقريبا- وﺍﻋﺘﻨﻖ ﻣﻠﻮﻙها ﺍﻹﺳﻼﻡ، ﻭﺃﻧﺸأﻮﺍ ﺩُﻭَﻳﻠﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ انفصلت ﻋﻦ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻏﺎﻧﺔ، ﻭتمتعت ﺑﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻻﺳﺘﻘﻼﻝ الذاتي، ﻣﺴﺘﻐﻠﺔ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ الذي نشب ﺑﻴﻦ المرابطين ﻭﻣﻤﻠﻜﺔ ﻏﺎﻧﺔ.
ﻭﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﻣﻠﻮﻙ مالي ﺃﻥ يوسعوا ﻣﻤﻠﻜﺘﻬﻢ ﻓﻰ ﺃﻭﺍﺋﻞ ﺍﻟﻘﺮﻥ الثالث ﻋﺸﺮ في ﺍﺗﺠﺎﻩ الجنوب, ﻭﺍﻟﺠﻨﻮﺏ الشرقي، وقد ﺃﺛﺎﺭ ذلك ﺣﻔﻴﻈﺔ مملكة (الصوصو) في جنوب مالي، الامر الذي ساعد في المحاولة منه للسيطرة ﻋﻠﻰ ﻣﻤﻠﻜﺔ مالي ﺍﻟﻨﺎﺷﺌﺔ, ﻭﻛﺎﺩ الامر أنْ ينجح، لولا تدخل الملك (ماري جاطة)؛ اذ استطاع ﺃﻥ ﻳﻘﻬﺮ ملك (الصوصو)، ﻭﺃﻥ ﻳﻘﺘﻠﻪ ﻓﻰ إحدى ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻙ, ويستولي على مملكته.
وفي نهاية القرن الرابع عشر ظهرت بوادر الضعف في المملكة، اذ بدأت تستقل عنها بعض الأقاليم الخارجية واحداً تلو الآخر، وقد ظهر ضعف المملكة للعيان في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلادي، حتى أنهم استنجدوا بالعثمانيين في المغرب، وبالبرتغاليين الموجودين على ساحل أفريقيا الغربي، ولكن من دون جدوى.
-----------------------------------------
1ـ ينظر: الجذور التاريخية للصلات العربية الإفريقية، حميد دولاب ضيدان, ط1، منشورات مركز البحوث والدراسات الإفريقية، الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى: 8.
*ـ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ ﺍﻟﻤﺘﻜﻠﻤﻮﻥ ﺑﻠﻐﺔ ﺍﻟﻤﺎﻧﺪي، ﻭﻳﻄﻠﻖ ايضاً (ﺍﻟﻔﻮﻻﻧﻰ) ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﺳﻢ ﻣﺎﻟﻰ، ﻭﻳﻠﻘﺒﻪ ﺍﻟﻤﺆﺭﺧﻮﻥ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﺑﻠﻘﺐ (ﻣﻠﻴﻞ, ﺃﻭ ﻣﻠﻞ)، ﻭﺗﻘﻊ ﺳﻠﻄﻨﺔ (ﻣﺎﻟﻰ) ﺑﻴﻦ ﺑﻼﺩ ﺑﺮﻧﻮ ﺷﺮﻗًﺎ, ﻭﺍﻟﻤﺤﻴﻂ الأطلسي ﻏﺮﺑًﺎ ﻭﺟﺒﺎﻝ ﺍﻟﺒﺮﺑﺮ ﺷﻤﺎﻻ, وهم من أكثر شعوب غربي إفريقيا تحمساً للإسلام والدعوة له.
2ـ ينظر: معالم التاريخ الإفريقي, حسن عابدين والعراقي سيد أحمد: 50.
3ـ ينظر: الدعوة الإسلامية في إفريقيا الواقع والمستقبل, عبد الرحمن عمر الماحي: 90.