أفريقيا الوسطى بين آمال التحول الديموقراطي وتجدد العنف

06/11/2022

5076 مشاهدة

لقد عانت جمهورية أفريقيا الوسطى من صراعات ونزاعات دموية على مدار تاريخها ولم تشهد أى مظاهر للتحول الديموقراطي إلا في عام 1993 ففي هذا العام شهدت الجمهورية أول انتخابات متعددة الأحزاب إلا أنها مازالت تعاني من اضطرابات سياسية وأعمال عنف بين القبائل رغم ما شهدته من انتخابات وتدخلات من قبل الأمم المتحدة لمحاولة ضبط الأمن وإعادة الاستقرار.   


لمحة عامة عن جمهورية أفريقيا الوسطى:
إن لجمهورية أفريقيا الوسطى موقع استراتيجي إذ تقع وسط القارة السمراء فيحدها تشاد من الشمال والسودان من الشمال الشرقي ومن الشرق جنوب السودان كما يحدها جنوبًا جمهورية الكونغو الديموقراطية وغربًا الكاميرون.
ويقدر عدد سكان جمهورية افريقيا الوسطى وفق (إحصاء عام 2013) بنحو أكثر من خمسة ملايين نسمة ينتمون إلى قبائل أفريقية مختلفة، وتبلغ مساحتها نحو 620 ألف كيلومتر. ويدين أغلبية سكانها بالمسيحية ويدين بالإسلام أقلية تصل نسبتهم إلى (15%).
وكانت تسمى هذه الجمهورية ب "أوبانغي-شاري" في الفترة من عام 1910 حتى 1960، وكانت جزءا من أفريقيا الاستوائية الفرنسية وقد حصلت على استقلالها عام 1960. .
 الصراع الطائفي والسياسي في أفريقيا الوسطى:

 

تتمثل الصراعات والنزاعات في أفريقيا الوسطى في بعدين رئيسين:
 أولهما: بعد داخلي ويتمثل في صراعات طائفية بين المسلميين والمسيحيين والتي يعود أغلبها إلى نزاعين أساسين:
 الأول: الصراع على الموارد الطبيعية والأراضي، إذ تعتبر الجمهورية غنية بالذهب والفضة إلا أن النزاعات وأعمال العنف المستمرة جعلت أغلب سكانها يعتمدون بالأساس على المساعدات الإنسانية.
 والثاني: الصراع على السلطة إذ ظل يحكمها منذ حصولها على الاستقلال لأكثر من ثلاثة عقود حكام غير منتخبين انتزعوا السلطة بالقوة.
والبعد الثاني بعد خارجي: ويكمن في الصراع بين الأطراف الدولية من أجل الحفاظ على مصالحهم والاستفادة من مواردها.

أشهر الميليشات المتصارعة في أقريقيا الوسطى:
1-  مسلحو تحالف "سيليكا" وأغلب عناصرهم من المسلمين والذين استطاعوا الإطاحة بالرئيس المسيحي فرانسوا بوزيزي في مارس 2013.
2- مليشيا مناهضي بالاكا أو مناهضة السواطير بلغة السانغو وعرفت أيضًا بالمليشيات المسيحية للدفاع الذاتي، وهي جماعات مسلحة محلية أنشأها الرئيس المسيحي فرنسوا بوزيزيه، وتضم في صفوفها بعض جنود الجيش الذين خدموا في عهده. والتي ارتكبت أعمال وحشية ضد المسلمين من حرق جثث وبتر أعضاء وتدمير للمساجد وتهجير أعداد كبيرة من المسلمين.
3- جماعة R3 وقد ظهرت في أواخر عام 2015 تحت زعامة شخص يدعى صديقي عباس، وادعت أن هدفها حماية أهل سكان بوهل الأقليات من ميليشيات أنتي بالكا في منطقة غرب أفريقيا الوسطى.
خطوات نحو التحول الديموقراطي:
منذ أن حصلت الجمهورية على الاستقلال وحتى ثلاثة عقود تالية لم تحدث أية انتخابات بل كان الحكام غير منتخبين يصلون إلى السلطة عنوة وكان البقاء للأقوى مما عرض الدولة لكثير من الصراعات على السلطة.
وللمرة الأولى في أفريقيا الوسطى، جرت انتخابات متعددة الأحزاب عام1993 ووصل الرئيس فيليكس باتاسيه إلى السلطة على عقب تلك الانتخابات وظل محتفظًا بالسلطة عشرة سنوات حتى تمت الإطاحة به في عام 2003 من قبل الجنرال فرانسوا بوزيزي الذي فاز بانتخابات رئاسية في مايو2005. وأعيد انتخاب بوزيزي مجددًا في عام 2011 وكانت فترة حكمه تتسم بالاستقرار النسبي.
عودة الاضطرابات السياسية والأمنية من جديد (تمرد وانقلاب على السلطة):
رغم أن فترة حكم بوزيزي كانت تتسم باستقرار نسبي إلا أن الفساد والمحسوبية كانا من أبرز مظاهر فترة حكمه مما أدى إلى قيام تمرد علني على الحكومة وتكون هذا التمرد من فصائل المعارضة المسلحة المعروفة باسم تحالف السيليكا وقامت تلك المجموعات المسلحة المتمردة بسلسلة من الهجمات في ديسمبر2012 استطاعت من خلالها السيطرة على عدة مدن حيوية وسط وشرقي البلاد إلا أنها سرعان ما دخلت في مفاوضات سلام مع الحكومة في يناير2013 ترتب عليها تشكيل حكومة وحدة وطنية.  ولكن في مارس 2013 استطاع المتمردون السيطرة على العاصمة .
 وبعد فرار الرئيس بوزيزي، نصب ميشيل جوتوديا زعيم متمردي السيليكا نفسه كأول رئيس مسلم في الجمهورية وشكل حكومة انتقالية وخلال فترة حكمه تشرد نحو مليون مواطن جراء الاشتباكات وأحداث العنف التي حدثت بعد استيلاء السيليكا على الحكم، إذ تصاعدت أعمال العنف في بانغوي عندما قامت ميليشيا أنتي بالكا بمعارضة العاصمة من جديد واستمر القتال بينهم وبين مليشيا السيليكا. وقد أدت التهديدات المستمرة ضد المسلمين في غرب ووسط الدولة إلى مغادرة أغلبيتهم من بلادهم وتم إفراغ البلاد من سكانها المسلمين بالإضافة إلى حصار نحو 20000 شخصًا من الأقليات في ستة عشر موقعًا مختلفًا في الجمهورية فلم يتمكنوا من الحفاظ على أعمالهم أو الوصول إلى المدارس ولم تتوفر لهم الرعاية الصحية إلا بقدر محدود ومنذ ۲ يونيو۲۰۱٤ لا يزال هناك ٥٥۷۰۰۰ نازحاً داخل البلاد .
منتدى بانغي ومساعي نحو المصالحة الوطنية:
وفي مايو 2015 عُقدت محادثات عرفت بمنتدى بانغي بين بعض قادة الميليشيات المسلحة ومجموعة واسعة من الجهات المدنية الفاعلة بهدف نزع السلاح وإجراء المصالحة الوطنية إلا أن هذه المحادثات لم تسفر عن تقدم إذ أن آليات التنفيذ في نزع السلاح والجدول الزمني لبدء التنفيذ لم يكونا واضحين منذ البداية وظلت الحكومة الوطنية مقتصرة على العاصمة بينما ظلت الجماعات المسلحة مسيطرة على أراضي شاسعة من البلاد.
وفي ديسمبر2015 تم إجراء استفتاء على الدستور الذي يعطي للرئيس صلاحيات أكبر ويحث على إنشاء جهة عليا للتشريع ومجلس الشيوخ وعلى الرغم مما دار من أحداث عنف اثناء الاستفتاء إلا أنه تم الموافقه عليه بأغلبية الأصوات  
انتخابات يناير2016 وتجدد الآمال:
أُجريت الانتخابات التشريعية في يناير 2016 متزامنة مع الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في ديسمبر2015 وفي 26من يناير أعلنت اللجنة الانتخابية فاوستين تواديرا رئيس الوزراء السابق بأنه الفائز في جولة الإعادة. وقد لقى فوزه ترحيبًا وفرحًا من قبل المواطنين في شوارع العاصمة إلا أن بعض المرشحين أكدوا على وجود تزوير في الانتخابات لكنهم في النهاية تقبلوا النتيجة .  
أولويات وتحديات:
بعد نجاح تواديرا في الإنتخابات تعهد بأداء مهامه دون أي اعتبارات عرقية أو شخصية إذ أنه منذ أن وصل إلى الحكم وكان نصب عينيه ثلاثة ملفات أساسية:
 أولهما إعادة ‏الأمن إلى أفريقيا الوسطى المنقسمة،
 وثانيها تحقيق المصالحة الوطنية
وثالثهما تحقيق الانتعاش الاقتصادي.
 وكان من أبرز التحديات التي واجهته:
1-الوضع الاقتصادي للدولة إذ أنها ثالث أفقر دولة في العالم إذ يعاني أغلب سكانها من أوضاع اقتصادية متردية حيث يعتمد معظمهم على المساعدات الإنسانية على الرغم مما تمتلكه الدولة من موارد طبيعية هائلة وبالتالي فإن تحقيق الانتعاش الاقتصادي كان التحدي الأهم.
2-ضمان استعادة الأمن في جميع أنحاء البلاد وكذلك وضع حد للعنف ومعاقبة المتورطين في إقحام الدولة في اعمال العنف وكذلك نزع السلاح من الميليشيات بالاضافة إلى إعادة اللاجئين إلى أرض الوطن وهذا كله يتطلب الدعم الكافي من الأحزاب والأطراف الموجودة في الدولة .

وقد عرض رئيس الوزراء أمام الجمعية الوطنية في 7 يونيه خطة الحكومة وبرنامجها وحددها في أربع أولويات رئيسية:
1- السلام والأمن والتماسك الاجتماعي.  
2- الإنعاش الاقتصادي.
3-السياسة والحكم الرشيد.  
4-والشئون الاجتماعية والعمل الانساني.

التطورات السياسية بعد وصول تواديرا إلى سدة الحكم:
كان أول ما قام به تواديرا بعد أن أدى اليمين يوم30 مارس2016 هو اختيار سمبليس سارنجي رئيسًا للوزراء وهو مسيحي مستقل وقد عبر الرئيس عن سبب اختياره بأن الظرف الصعب والملح الذي تمر به البلاد والصراعات الدامية على مدار السنتين الماضيتين بين الطائفة المسلمة والمسيحية حتمت عليه هذا الاختيار إلا أن ذلك أثار الشعور بالخيبة لدي المسلمين وقد عبر أمات ديليريس نائب رئيس الأقلية المسلمة بأفريقيا الوسطى عن أن المسلمين تمنوا أن يكون رئيس الوزراء من بينهم من اجل ضمان التوازن إذ أن الرئيس مسيحي .
وفي ابريل 2016, اتجهت أفريقيا الوسطى إلى استقرار سياسي نسبي إذ أعلنت المحكمة الدستورية الانتقالية النتائج النهائية للانتخابات التشريعية وأكدت على انتخاب 128 من أعضاء الجمعية الوطنية البالغ عددهم 140.
وفي 29 ابريل قدمت السلطة الوطنية للانتخابات طلب لبعثة الأمم المتحدة للحصول على دعم تقني ولوجستي لتنظيم انتخابات إقليمية وبلدية. وفي 6 مايو تم انتخاب كريم ميكاسو رئيسًا للجمعية الوطنية ولقى انتخابه ترحيبًا كبيرًا نظرًا لكون هذا يدعم التماسك الاجتماعي وذلك لكونه شخصية بارزة من شخصيات الطائفة المسلمة.
محادثات من أجل تحقيق التصالح الوطني:
 بدأ الرئيس في منتصف ابريل جلسة مشاورات مع الجماعات المسلحة ودعاهم فيها إلى نزع السلاح للتمكن من تحقيق الانتعاش والسلم وفي 2 يوليه رحبت الجماعات المسلحة بانشاء آلية تنسيق وطنية لنزع السلاح والعودة إلى الوطن وتحقيق التصالح الأمني.
وقد استمرت اجتماعات الرئيس تواديرا مع الجماعات المسلحة على مدار شهر يوليه واغسطس وسبتمبر إلا أن ممثلي إئتلاف سيليكا رهنوا مشاركتهم في عملية نزع السلاح بضرورة وضع سياسات أكثر شمولاً للطائفة المسلمة.
عدم الاستقرار السياسي والأمني وتجدد العنف:
رغم كل مساعي الرئيس في تحقيق الاستقرار السياسي وضبط الأمن إلا أن الحالة الأمنية ظلت متقلبة بسبب اشتداد التوترات الطائفية ووقوع اشتباكات متفرقة بين الجماعات المسلحة وكان سبب الصراع كما ذكرنا سابقًا بين ائتلاف سيليكا وأنتي بالكا تعود إلى تصارعهم على السلطة والسيطرة على الموارد الطبيعية بالاضافة إلى التوترات الطائفية التي نجم عنها أعمال سرقة وانتهاكات لحقوق الانسان.
ولقد زادت التوترات الطائفية على أعقاب مقتل شاب مسلم على يد شاب مسيحي وقامت قوات الأمن الداخلي بالقبض على 26 تاجر مسلم كانوا مسافريين إلى بانغي والاحتجاز غير القانوني لستة من الضباط من الطائفة المسلمة.
وفي الجزء الغربي من البلاد استمرت الهجمات والاعتداءات على المدنيين بسبب وجود ميلشيات أنتي بالكا، وفي الجزء الأوسط والشمالي الشرقي في البلاد واصل ائتلاف سيليكا توسيع نطاق سيطرتهم على النظم الضريبية غير القانونية.
وفي أبريل ومايو2016 قامت جماعة R3 بهجمات على القرى الفرعية ردًا على نشاط ميليشيات أنتي بالكا، وفي 27 سبتمبر قامت الجماعة بالهجوم على بلدة عاصمة جنوب محافظة ديغول مما ترتب على هذا الهجوم مقتل نحو 20 ألف شخصًا بالإضافة إلى هجومهم على قرى أخرى.
انتهاكات حقوق الإنسان وفق إحصائيات بعثة الأمم المتحدة:
لا تزال قدرة الدولة على الحد من الحوادث والاشتباكات ضعيفة فخلال الفترة التي تولى فيها الرئيس الحكم وصلت حالات انتهاكات حقوق الانسان كما رصدتها بعثة الأمم المتحدة نحو513 انتهاكًا لحقوق الانسان وذلك ضد 1387 ضحية من بينهم 89 إمرأة و56 فتى و11 فتاه وكان من ضمن هذه الانتهاكات أعمال قتل تعسفي وعنف جنسي وكذلك عمليات اختطاف. كما ارتكبت المليشيات المسلحة نحو 341 تجاوزا. حتى أن السلطة الحكومية كانت مسؤولة  عن 171 انتهاكًا أغلبها احتجازات تعسفية غير قانونية بالإضافة إلى الاعتداءات الجنسية على الأطفال وتجنيدهم في الجماعات المسلحة واستغلالهم.
وماتزال الحالة الانسانية في أقصى درجات التردي في أفريقيا الوسطى إذ أن حوالي 2.3 مليون من مواطنيها من أصل 4.8 مليون يعتمدون على المساعدات الانسانية وفي 15 سبتمبر 2016 وصل عدد اللاجئين في البلدان المجاورة إلى 452095
تردي أمني وعودة بعثة الأمم المتحدة:
لقد أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش أنه في الفترة بين 12و27 نوفمبر 2016 قُتل نحو 50 مدنيا على الأقل في المحافظات الفرعية من بوكارانغا وكويي في مقاطعة أوهام بندي على يد جماعة R3.
ونتيجة تردي الأوضاع الأمنية في أفريقيا الوسطى عادت قوات حفظ السلام وكذلك بعثة تحقيق الاستقرار التي تتكون من 12 ألف و870 جنديًا من اجل محاولة ضبط الأمن في جمهورية أفريقيا الوسطى وإعادة الأمان والاستقرار للبلاد  
الخلاصة:
رغم ما خطته جمهورية أفريقيا الوسطى نحو التحول الديموقراطي من عمل انتخابات رئاسية وتشريعية بعد أن كان الحكم يُنتزع بالقوة ورغم إجراء حكومة تواديرا محادثات وتشاورات مع المليشيات المسلحة المعارضة لها من أجل نزع السلاح وتحقيق التصالح الوطني ووضعها لهذه الهدف ضمن أولوياتها إلا أن الحكومة لم تقر استراتيجية حقيقية للمصالحة الوطنية كما أنها لم تبدأ في أية أنشطة ملموسة من أجل تعزيز الحوار بين الطوائف.
فالوضع في أفريقيا الوسطى حتى يومنا هذا مازال غير مستقرًا وحُلم التحول الديموقراطي الحقيقي لم يتحقق بعد رغم كل المساعي والمحاولات من قبل الحكومة الحالية ومازالت التدخلات الخارجية من قبل فرنسا والأمم المتحدة هي سيدة الموقف.
-------------------------------------
قائمة المراجع
أولاً المراجع العربية:
1-أزمة جمهورية أفريقيا الوسطى وتأثيرها الإنساني الإقليمي, مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية, 2014.
2-أسماء عبد الفتاح, الفوضى تشتعل مجددًا في إفريقيا الوسطى, البديل, 22ديسمبر2016, متاح على http://cutt.us/GQ8qR
3-استياء مسلمي أفريقيا الوسطى لاستبعادهم سياسيا, شبكة الجزيرة الاعلامية, متاح على http://cutt.us/RX981
4-التوقعات تصل إلى عنان السماء في جمهورية أفريقيا الوسطى, البنك الدولي, 6/7/2016, متاح على http://cutt.us/JHklO
5-تقرير الأمن العام عن الحالة في جمهورية أفريقيا الوسطى, مجلس الأمن, الأمم المتحدة, 24/8/2016.             
6-عبد الحكيم نجم الدين, إفريقيا الوسطى.. وما بعد الانتخابات الرئاسية, قراءات إفريقية, 2016,متاح على http://cutt.us/EYp0i  
ثانيًا المراجع الأجنبية:
7- Tomas F. Husted & Alexis Arieff, The Central African Republic: Background and U.S. Policy, congressional research service, December 1, 2016 ‎

المعرض


ملاحظة/ التعليق يخضع لمراجعة الادارة قبل النشر
التعليقات