14/11/2022
7177 مشاهدة
مما لاشك ولا ريب فيه أن الاسلام المنهج السليم والطريقة المثلى لنشره وصرَّح في كتابه المقدس قائلا:((لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ))(سورة البقرة:256) وبيَّن أنًّ الدين لا يتم بالقهر والقوة والعنف بل بالحوار والأسلوب العلمي والحكمة وحدد طريقة الدعوى بالأسلوب الامثل وهو ((ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ))(سورة النحل:125) والمتتبع في حركة انتشار الإسلام خارج رقعته الجغرافية سيجد هناك طريقتين احداهما انتشاره بالسيف والقوة ويطلق عليه بالفتوحات الاسلامية التي حصلت في عصر الخليفة الثاني عمر بن الخطاب واستمرت من بعده ، والاخرى انتشار الاسلام عن طريق الحوار والتماس بين تجار المسلمين وغيرهم كما حصل في تجارة الملح في افريقيا أو إندونيسيا التي هي اليوم اكبر بلد اسلامي من حيث التعداد؛ إذ لم يدخلها الإسلام بالقوة وانما عن طريق مجموعة من التجار المسلمين الذين كانوا يغامرون فيدخلون في الصحراء الواسعة التي لا ماء بها إلا نادرا، وتكثر بها عواصف الرمل، اضف إلى ذلك وعورة الطريق وما يتعرض له المسافرون فيها من تعب ومخاطر قطاع الطرق واللصوص يتبعها قلق الضياع في الصحراء لأنها مَضَلَّة ليست بها أي اشارات او علامات يَهتدي بها التجار معتمدين على ما وهبهم الله عز وجل من قدرة عجيبة على الاهتداء في هذه الصحراء من خلال تحسس مهب الرياح ومطالع النجوم وشم التربة ومعرفة تضاريس المناطق المختلفة ونبات كل ناحية منها، والمتأمل في كتب الرحالين سيجدهم يتحدثون عن ذلك فهذا ابن بطوطة يتحدث في رِحْلته عن المصاعب التي واجهها في الطريق بين تاودني وولاته فذكر أن القافلة كانت تسير الليل كله ولا تنيخ إلا في الزوال تجنبا للحر.
ومع ذلك نجد اثر التجارة الاسلامية واضحا في غرب أفريقيا ؛إذ تسببت بإيجاد حالة فريدة من التسامح والتعايش عملت على تعزيز السِّلم والأمن في المنطقة نتيجة التكامل الاقتصادي الذي أملته ظروف البيئة والمناخ في المنطقين الاسلامية العربية والإفريقية وحاجة كلٍّ منهما إلى المزايا النسبية فأخذت الروابط والاواصر تترسَّخُ وتتعزَّزُ بمرور الوقت وعبرَ العصور.
فالتجارة عبر الصحراء كانت تعمل على توفير التكامل بين اقتصاد المنطقتين الإفريقية والعربية حيث تجلب القوافلُ الثياب والأواني والأدوات الصناعية وقطع المِلْح من الشمال إلى الجنوب ثم تعود محملة ببضاعة المناطق الإفريقية كالذهب والعاج والحبوب والرقيق وغيرها من السِلعٌ الغالية والثمينة جدا.
ومن المعلوم ان الدين والمعتقد ينعكس على سلوك اتباعه ومعتقديه ومن خلال تعامل الانسان الافريقي مع التاجر المسلم إلتمس الكثير من السلوكيات لدى التجار المسلمين التي جسدت المفاهيم والقيم الاسلامية كالصدق؛ واداء الامانة والحكم بالعدل إذ قال تعالى:((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ )) والوفاء بالوعد ومساعدة المحتاجين وحب الآخرين[1]، وحرص التاجر المسلم على امتثال الواجبات كالصلاة والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجتناب الفواحش والمحرمات كالغش والكذب والسرقة والزنا...ألخ، كما ساهم الاحتكاك المباشر بالمجتمع الأفريقي حيث كان هؤلاء التجار يتزوجون فى الأماكن التى يتاجرون فيها، لأنهم يمكثون هناك فترات طويلة، فأصبحت بيوت التجار تمثل مدرسة أو مركزا إسلاميا، كما استخدم التجار دكاكينهم ومحالهم التجارية؛ لتعليم الأطفال المسلمين والوثنيين ليلا .
ونتيجة ذلك الاستقرار في البلدان الأفريقية تكونت الأحياء الخاصة بالمسلمين فأقاموا فيها المساجد والمدارس لتعليم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، فكان للتاجر دوران رئيسيان أحدهما الدور التجاري ولأخر الدور الدعوي واحيانا تكون معلوماتهم لا تفي بالغرض ، فيستقدمون العلماء وقراء القرآن الكريم والفقهاء؛ لتعليم سكان هذه المناطق أمور الدين ومع زيادة عدد المسلمين من الأفريقيين، أكثروا من بناء المساجد والمدارس، واخذوا يرسلون أبنائهم للتعليم فى القاهرة والقيروان وبغداد وفاس وغيرها من مراكز العلم الاسلامية.
وشكل التجار طبقة قريبة من البلاط الملكي أو النظام الحاكم، فتمتعوا بحرية الإقامة، واتخذهم الملوك والسلاطين مستشارين[2]، ما أدى إلى انتشار الإسلام سريعا إلى إسلام الملوك وحاشيتهم. فمع انتشار الإسلام زادت التجارة وأصبحت طبقة التجار تتمتع بمزايا كثيرة فى المجتمع الأفريقى الغربي، وعليه يمكننا الجزم بأن أغلب التجار مثلوا دور رسل الاسلام في افريقيا فجزاهم الله خيرا عن الاسلام والمسلمين لما تسببوا فيه من هداية الناس، إذ كانوا دعاة بسلوكهم قبل السنتهم.
____________________________
[1] - ينظر: توماس آرنولد، الدعوة إلى الإسلام، ترجمة حسن ابراهيم حسن، مصر –القاهرة، ذ971م،ص385
[2] -ينظر: أبراهيم على طرخان، دراسات في تأريخ افريقيا الاسلامية، مجلة كلية الآداب ، جامعة الرياض،،1981،ص2.