الجمع بين الصلاتين

29/12/2016

3167 مشاهدة

تمهيــــد
من المسائل الفقهية التي وقعت موضعا للأخذ والرد بين المذاهب مسألة الجمع بين الصلاتين، بمعنى إتيان صلاتين في وقت واحد،
اتفقت الامامية من اتباع اهل البيت ( عليهم السلام ) على جواز الجمع بين الظهر والعصر و بين المغرب والعشاء مطلقا في الاضطرار والاختيار وفي الحضر والسفر بعذر أو بدون عذر، وجواز الجمع بين الصلاتين لايعني إتيان الصلاة في غير وقتها الشرعي، بل جمعها مع غيرها في الوقت المشترك بينهما،
أما أصحاب المذاهب الأخرى فقد اتفقوا على جواز الجمع بين الظهر والعصر يوم عرفة جمع تقديم فيقدمون صلاة العصر في وقت الظهر، وكذا بين المغرب والعشاء في المزدلفة جمع تأخير فيؤخرون المغرب إلى وقت صلاة العشاء، واختلفوا في جواز الجمع في غير هذين الموضعين، فمنع الأحناف الجمع مطلقا أي في السفر والحضر وبلا فرق بين سائر الأعذار، بينما أجاز الشافعية والمالكية والحنابلة الجمع في السفر،أما في الحضر فاختلفوا بين مجوز للجمع في خصوص مورد نزول المطر كالشافعية .وبين مجوز له في غير ذلك من الأعذار كالمرض والثلج والريح الشديدة، كما هو رأي المالكية والحنابلة (راجع الفقه على المذاهب الأربعة  للجزيري ج1 483) .

المحور الاول : أدلة جواز جمع الصلاتين مطلقا
إن ما نحتاجه هنا هو إثبات الجواز في مقابل القول بالحرمة، وليس إثبات وجوب الجمع أو حرمة التفريق بين الصلاتين، وإلا فمن المتفق عليه بين كل المذاهب الاسلامية إن تفريق الصلاتين جائز وليس بحرام ,وعلى هذا فلو وجد دليل يدل على جواز تفريق الصلاتين فانه لايصادم القول بجواز الجمع ,إذ لا تنافي بين جواز التفريق وبين جواز الجمع.
ثم انه لا فرق بين ما يدل على جواز جمع الصلاتين في كونه دالا على جمع التقديم أو جمع التأخير إذ المهم لنا هنا هو إثبات اصل جواز الجمع في مقابل من يقول انه حرام وغير جائز مطلقا .

اولا : الدليل القرآني
هناك جملة من الآيات المباركة تم تفسيرها على انها دالة على جواز جمع الصلاتين ومنهـــا:
1-قوله تعالى (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا)(سورة الإسراء78)  . فقد ذكر أكثر المفسرين إن هذه الآية المباركة واردة في بيان أوقات الصلاة اليومية الخمسة ,إلا أنها ذكرت ثلاثة أوقات فقط وهي
•(الدلوك) اي الزوال وهو وقت صلاة الظهر.
•(الغسق ) وفسره كثير من المفسرين بأنه غروب الشمس.
•(قرآن الفجر ) وفسره جمع من المفسرين بأنه وقت صلاة الفجر.
 وبالتالي فالآية لم تذكر على هذا وقت صلاتي العصر والعشاء. إلا بان يقال بدخول صلاة العصر في وقت صلاة الظهر ,إذ لا يصلح دخولها في الفجر أو الغسق .بل من المتفق عليه إن وقت العصر ينتهي عند الغروب ,فهي إذن داخلة في (دلوك الشمس ). وكذا يقال بدخول صلاة العشاء في وقت صلاة المغرب إذ لا يصلح دخولها في الفجر  أو الدلوك ,وبهذا ستكون الآية جامعة لأوقات الصلوات كلها .وتكون دالة على جواز جمع الصلاتين، هذا المعنى ذكره الكثير من مفسري العامة ومنهم :
*الفخر الرازي قال(إن دلوك الشمس هو زوالها عن كبد السماء ,وهو اختيار الاكثرين من الصحابة والتابعين ..ثم قال (في المسالة السابعة بعد 16 سطر تقريبا) ....وهذا يقتضي أن يكون الزوال وقتا للظهر والعصر  فيكون هذا  الوقت مشتركا بين هاتين الصلاتين,وان يكون أول المغرب وقتا للمغرب والعشاء ,فيكون هذا الوقت مشتركا أيضا بين هاتين الصلاتين ,فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء مطلقا . إلا انه دل الدليل على إن الجمع في الحضر من غير عذر لا يجوز فوجب أن يكون الجمع جائزا بعذر السفر وعذر المطر وغيره)(تفسير مفاتيح الغيب الفخر الرازي ج5 ص422)  وكما ترى فانه يعترف بدلالة الآية على جواز الجمع إلا انه خالف ظاهر الآية لأجل (انه دل الدليل على إن الجمع في الحضر من غير عذر لا يجوز) ولم نجد لهذا الدليل المشار إليه ,وسيأتي ذكر ما يمكن أن يحتج به على منع الجمع مطلقا ونبين انه غير تام في نفسه .
*الحافظ ابن كثير الدمشقي في تفسيره بعد أن رجح أن المقصود بالدلوك هو الزوال قال (فعلى هذا تكون الآية دخل فيها أوقات الصلوات الخمس فمن قوله تعالى (لدلوك الشمس إلى غسق الليل ) وهو ظلامه وقبل غروب الشمس أخذ منه الظهر والعصر والمغرب والعشاء  وقوله  (وقرآن الفجر) يعني صلاة الفجر ) (تفسير القرآن العظيم لابن كثير الدمشقي ج3 ص53-  54).
*الجلالان (وهما جلال الدين محمد بن احمد المحلي وجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي.) قالا في تفسيرهما لاية (أقم الصلاة لدلوك الشمس) أي من وقت زوالها (إلى غسق الليل )  إقبال ظلمته أي الظهر والعصر والمغرب والعشاء (وقرآن الفجر) صلاة الصبح(تفسير الجلالين ص225) .
*الزرقاني في شرحه على الموطأ قال (وهذه الآية إحدى الآيات التي جمعت الصلوات الخمس, فدلوك الشمس إشارة للظهرين وغسق الليل للعشاءين وقرآن الفجر إلى صلاة الصبح )(شرح الموطأ للزرقاني ص29)  .
*تفسير مقاتل جاء فيه تفسيره لهذه الآية (أقم الصلاة لدلوك الشمس) يعني إذا زالت الشمس عن بطن  السماء يعني عند الصلاة الأولى والعصر(إلى غسق الليل )  يعني ظلمة الليل اذا ذهب الشفق يعني صلاة المغرب والعشاء(وقرآن الفجر) يعني صلاة الغداة (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ) تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار جمع الصلوات الخمس في هذه الآية كلها (تفسير مقاتل ج2 ص271).
2-قوله تعالى (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) (سورة هود114 ) هذه الآية المباركة-كما صرح كثير من المفسرين –واردة في بيان أوقات الصلوات اليومية الخمس مع أنها ذكرت ثلاثة أوقات فقط وهي الطرف الأول من النهار والطرف الآخر منه والزلف من الليل ,فالطرف الأول من النهار هو وقت صلاة الصبح والطرف الآخر منه هو وقت صلاتي الظهر العصر والزلف من الليل –أي الساعات القريبة من الليل هو وقت المغرب والعشاء,واليك بعض أقوال المفسرين الدالة على ذلك،
*قال الزمخشري في تفسيره الكشاف (طرفي النهار غدوة وعشيا وزلفا من الليل ساعات من الليل وهي ساعات قريبة من آخر النهار من أزلفه إذا قربه وازدلف إليه ,وصلاة الغدوة الفجر وصلاة العشية الظهر والعصر لان ما بعد الزوال عشي وصلاة الزلف المغرب والعشاء ) (الكشاف عن حقائق التنزيل الزمخشري ج1 ص616).
*قال أبو بكر أحمد بن علي الجصاص الحنفي (روى عمرو عن الحسن في قوله تعالى طرفي النهار ,قال صلاة الفجر والآخر الظهر والعصر  وزلفا من الليل قال المغرب والعشاء ,ثم قال فعلى هذا القول قد تضمنت الآية الصلوات الخمس)(أحكام القران الجصاص ج2 ص267) .
*قال السيوطي (اخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله تعالى وأقم الصلاة طرفي النهار قال صلاة الفجر وصلاتي العشي يعني الظهر والعصر وزلفا من الليل قال المغرب والعشاء) (الدر المنثور في التفسير بالمأثور  السيوطي ج2 ص351).
*في تفسير الجلالين (وأقم الصلاة طرفي النهار)الغداة والعشي أي الصبح والظهر والعصر (وزلفا )جمع زلفة أي طائفة (من الليل) أي المغرب والعشاء (إن الحسنات )الصلوات الخمس (يذهبن السيئات )أي الذنوب الصغار (تفسير الجلالين ص180).
*قال الفخر الرازي (كثرت المذاهب في تفسير طرفي النهار والأقرب إن الصلاة التي تقام في طرفي النهار هي الفجر والعصر وذلك لان احد طرفي النهار طلوع الشمس والطرف الثاني لا يجوز أن يكون صلاة المغرب لأنها داخلة تحت قوله تعالى ( وزلفا من الليل ) فوجب حمل الثاني على صلاة العصر)(مفاتيح الغيب الفخر الرازي ج5 ص95)  .ثم ذكر أن صلاتي المغرب والعشاء داخلتين تحت قوله تعالى ( وزلفا من الليل ) ونسي أن يذكر دخول صلاة الظهر في وقت العصر .
3-قوله تعالى (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُود)(سورة ق39- 40)  فقد نص كثير من المفسرين على  أن المراد من التسبيح في الآية الصلاة ,وان المراد بالصلاة قبل طلوع الشمس صلاة الفجر والمراد بالصلاة ( قبل الغروب) الظهر والعصر والمراد بقوله (من الليل)المغرب والعشاء ,وأما (أدبار السجود) فيراد بها النوافل بعد الفريضة أو التعقيب والذكر بعد الفريضة ,واليك بعض أقوال المفسرين.
*قال الزمخشري في تفسيره (وسبح بحمد ربك) حامدا ربك والتسبيح محمول على ظاهره أو على الصلاة فالصلاة (قبل طلوع الشمس)الفجر (وقبل الغروب)الظهر والعصر (ومن الليل فسبحه)العشاءان (وأدبار السجود)التسبيح في آثار الصلوات..وقيل النوافل بعد المكتوبة(تفسير الكشاف ج2 ص406) .
*قال الجلالان في تفسيرهما (وسبح بحمد ربك) صل حامدا  (قبل طلوع الشمس )أي صلاة الصبح (وقبل الغروب) أي صلاة الظهر والعصر  (ومن الليل فسبحه )أي صلاة العشاءين (وأدبار السجود ) بفتح الهمزة جمع دبر وبكسرها مصدر أدبر أي صل النوافل المسنونة عقب الفرائض(تفسير الجلالين ص214) .
*قال ابن كثير في تفسيره (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب)..صلاة الصبح والعصر فهما قبل طلوع الشمس وقبل الغروب (ومن الليل فسبحه) أي فصل له (وأدبار السجود)قال ابن نجيح عن مجاهد عن ابن عباس هو التسبيح بعد الصلاة)(تفسير القرآن العظيم لابن كثير الدمشقي ج4 ص299)  وقال الفخر الرازي (وسبح بحمد ربك)يحتمل وجوها احدها أن يكون الله أمر النبي (ص)بالصلاة فيكون كقوله تعالى (أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ)وقوله تعالى (قبل طلوع الشمس وقبل الغروب )إشارة إلى طرفي النهار وقوله (ومن الليل فسبحه )إشارة إلى زلفا من الليل  وقوله (وأدبار السجود ) أي عقب ماسجدت وعبدت نزه ربك بالبرهان )(مفاتيح الغيب الفخر الرازي ج7 ص447)
4-(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا) (سورة الإنسان 25-26) .
صرح كثير من المفسرين إن المراد بذكر اسم الله والسجود هو الصلاة اليومية ,فالمراد بقوله (واذكر اسم  ربك بكرة)إقامة صلاة الفجر أما (أصيلا )فصلاتي الظهر والعصر أما (ومن الليل فاسجد له )فصلاتي المغرب والعشاء ,أما قوله (فسبحه ليلا طويلا) فهو أمر بالتهجد خاص بالنبي (ص)إذ أن صلاة الليل واجبة عليه (ص)ومستحبة على أمته , نذكر هنا بعض عبارات المفسرين الدالة على ذلك.
*قال الجلالان في تفسيرهما "(وأذكر اسم ربك) في الصلاة (بكرة وأصيلا) يعني الفجر والظهر والعصر(ومن الليل فاسجد له) يعني المغرب والعشاء(وسبحه ليلا طويلا ) صلاة التطوع كما تقدم في ثلثيه أو نصفه أو ثلثه" (تفسير الجلالين ص465).
*قال الفخر الرازي "في هذه الآية قولان الأول إن المراد هو الصلاة ,قالوا لان التقييد بالبكرة والأصيل يدل على أن المراد من قوله (وأذكر اسم ربك)الصلوات,ثم قالوا البكرة هي صلاة الفجر والأصيل صلاة الظهر والعصر (ومن الليل فاسجد له)المغرب والعشاء فتكون هذه الكلمات جامعة للصلوات الخمس وقوله (وسبحه ليلا طويلا )المراد منه التهجد...القول الثاني إن المراد من قوله (وأذكر اسم ربك )إلى آخر الآية ليس هو الصلاة بل المراد التسبيح  والمقصود أن يكون ذاكرا لله في جميع الأوقات ليلا ونهارا بقلبه ولسانه" (مفاتيح الغيب الفخر الرازي ج8 ص306) .
*قال الزمخشري في تفسيره "(واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا)ودم على صلاة الفجر والعصر (ومن الليل فأسجد له)وبعض الليل فصل له أو يعني صلاة المغرب والعشاء و (سبحه ليلا طويلا) فاسجد له" (تفسير الكشاف ج2 ص514).
وهناك آيات أخرى تدل هي الأخرى على جواز جمع الصلاتين. نكتفي بما ذكرناه.

ثانيا : الأدلة من الأخبار
الروايات بهذا الصدد كثيرة جدا نذكر منها:
1.مارواه ابن عباس قال (صلى رسول الله (ص) الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا من غير خوف ولا سفر) (صحيح مسلم ج2 ص151 كتاب الصلاة باب الجمع بين الصلاتين في الحضر سنن أبي داود باب الجمع بين الصلاتين ج1 ص120سنن النسائي ج1 ص290 موطأ مالك باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر الحديث 4 سنن النسائي باب الجمع بين الصلاتين في الحضر الحديث 187 وغيرها كثير) .
2.مارواه أبو هريرة قال (جمع رسول الله (ص) بين الصلاتين بالمدينة من غير خوف) (مسند البزاز ج1 ص273 الحديث 421).
3.مارواه عبد الله بن عمر قال (جمع لنا رسول الله (ص) مقيما غير مسافر بين الظهر والعصر ,فقال رجل لابن عمر لِمَ ترى النبي (ص) فعل ذلك قال لان لا يحرج أمته إن جمع رجل) (مصنف عبد الرزاق بن همام وهو من شيوخ أحمد بن حنبل  توفي سنة 211 وكان حافضا ومن رجال الصحاح ,المصنف ج2 ص556 الحديث 4437.).
4.مارواه جابر بن عبد الله الأنصاري (رض) قال (جمع رسول الله (ص)بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في المدينة للرخص من غير خوف ولاعلة ) (معاني الآثار للطحاوي ج1 ص161.).
5.مارواه عبد الله بن مسعود قال (جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء ,فقيل له –أي للنبي –في ذلك فقال صنعت ذلك لئلا تحرج أمتي ) (المعجم الكبير للطبراني ج10 ص269 الحديث 10525.) .
6.مارواه أبو سلمة قال(صلينا مع عمر بن عبد العزيز ثم انصرفنا إلى أنس بن مالك فوجدناه يصلي ,فلما انصرف قال لنا صليتم ,قلنا صلينا الظهر,قال إني صليت العصر ,فقالوا له عجلت ,فقال إنما أصلي كما رأيت أصحابي يصلون ) (سنن النسائي باب تعجيل العصر).وفي رواية البخاري إنه قال لهم(العصر وهذه صلاة رسول الله (ص)التي كنا نصلي معه )(صحيح البخاري باب وقت العصر الحديث 549 .وصحيح مسلم باب استحباب التبكير بالعصر) . وقال جلال الدين السيوطي في شرح سنن النسائي بعد هذا الحديث "قوله (حتى دخلنا على انس بن مالك ) أي وبيته في جنب المسجد .وهذا يفيد تعجيل العصر بلا ريب ,وهذا كان حين ولي عمر بن عبد العزيز المدينة نيابة, لا في خلافته لان أنسا توفي قبل خلافة عمر بن عبد العزيز بنحو تسع سنين" (شرح سنن النسائي للسيوطي ج1 ص253) .وهذا الحديث دال دلالة واضحة على إن وقت العصر يدخل بمجرد الفراغ من صلاة الظهر .وإن جمع التقديم صحيح ,بل انه عمل أصحاب رسول الله ,بل هو عمل رسول الله .
7.ماروي أن ابن عباس خطب يوما بعد العصر حتى غابت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس ينادونه الصلاة .وفي القوم رجل من بني تميم فجعل يقول الصلاة الصلاة ,قال فغضب –أي ابن عباس -وقال أتعلمني بالسنة ,شهدت رسول الله (ص)جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء ,قال عبد الله بن شقيق فوجدت في نفسي من ذلك شيئا فلقيت أبا هريرة فسألته فوافقه ) (مسند أبي داود ج11ص355 الحديث 2720مسند أحمد ج1 ص251وقريب منه في صحيح مسلم كتاب الصلاة باب الجمع بين الصلاتين في الحضر الحديث رقم 1644) .
8.مارواه ابن عمر وأبو أيوب الأنصاري وابن عباس "صلى النبي (ص)المغرب والعشاء أي جمعهما في وقت واحد .   
9.مارواه ابن عباس قال (صليت مع النبي (ص)ثمانية جميعا وسبعا جميعا)(صحيح البخاري باب وقت المغرب الحديث 56 مسند أحمد بن حنبل ج5 ص81 الحديث 3235سنن النسائي ج1 ص251.) .والمقصود بالثمانية الظهر والعصر ,وبالسبعه المغرب والعشاء أي انه (ص) جمع بين الظهر والعصر وكذا بين المغرب والعشاء .
10.وهناك روايات كثيرة الجامع بينها إن سبب الحكم بجواز جمع الصلاتين هو التوسعة على الأمة ,منها مارواه ابن عباس "جمع رسول الله (ص)بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولامطر ,قيل لابن عباس وما أراد إلى ذلك قال أراد أن لا يحرج أمته"(مسند أحمد ج3 ص292موطأ مالك ج1 ص161سنن الترمذي ج1 ص354) .وفي رواية أخرى (أراد أن لا يحرج أحدا  من أمته ) (صحيح مسلم ج2 ص151 كتاب الصلاة الجمع بين الصلاتين في الحضر.).وفي بعضها (قالوا يا ابن عباس مااراد بذلك قال التوسع على أمته) وغيرها من النصوص .

ما ذكر من التوجيهات لنصوص جمع الصلاتين   
بعد هذه المجموعة من الروايات صريحة في جواز جمع الصلاتين بدون عذر ولامطر ولا سفر مما لا يقبل التوجيه والتأويل لدرجة تصريح بعض علماء السنة بذلك كما عن إمام الحرمين فقد قال (ثبت في الجمع أحاديث نصوص لا يتطرق إليها تأويل) (شرح الزرقاني  لموطأ مالك ج1 ص295.).
ولكن مع ذلك حاول بعض علماءهم توجيه النصوص المتقدمة بأنها لاتدل على جواز الجمع مطلقا بعدة توجيهات نذكر أقواها :
1.إن روايات الجمع بين الصلاتين وان كانت صحيحة إلا أنها منسوخة بالأحاديث الدالة على إن لكل صلاة وقتا خاصا.
 ويرد على هذا التوجيه إن روايات التوقيت لا تعارض أحاديث الجمع بل يمكن حملها على إن الوقت موسع شامل للصلاتين أو أن الوقت المخصوص هو وقت فضيلة الصلاة كما سيأتي ,لاوقت وجوب الصلاة .ثم انه لو فرضنا وجود التعارض والاختلاف فان النسخ لا يكون بمجرد التقول والادعاء ,بل يحتاج إلى إثبات قطعي,ثم إن أدلة الجمع متأخرة عن أدلة التوقيت إذ أنها وردت في المدينة في أواخر أيام النبي (ص)لان أبا هريرة أحد رواتها أسلم في السنة السابعة من الهجرة ,فكيف تكون أخبار التوقيت ناسخة لها مع أنها متقدمة ,والمعروف انه لابد من تقدم المنسوخ وتأخر الناسخ لا العكس .  
2.إن روايات الجمع معارضة لقوله تعالى (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) (سورة النساء103).لان معنى (موقوتا)إن لكل صلاة وقتا معينا خاصا بها دون غيرها ,ولذا لا يجوز الجمع بين الصلاتين في وقت أحدهما ,فلابد إما من طرح روايات الجمع أو توجيهها بأنها خاصة بحالة العذر أو المطر أو السفر.
ويرد على هذا التوجيه :
أولا: انه لا دلالة للآية على منع جمع الصلاتين وان معنى (موقوتا)هو الثبوت والفرض كما صرح بذلك جملة من المفسرين ,قال ابن كثير في تفسيره (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا –قال ابن عباس مفروضا)(تفسير ابن كثير ج1 ص550) .وكذا ذكر ذلك السيوطي في الدر المنثور (الدر المنثور السيوطي ج2 ص215)وغيرهما.

ثانيا: انه حتى لو فرضنا إن الآية تعني إن لكل صلاة وقت معين فان هذا لا يعارض أحاديث الجمع ,فالصلاة لها وقت معين إلا أن وقت الظهرين مشترك بينهما وكذا وقت العشائين مشترك .
3.انه وردت رواية معارضة لأخبار الجمع وهي مارواه الترمذي (حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف البصري حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي (ص) من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر)(سنن الترمذي ج1 ص356 كتاب الصلاة الحديث 173) .ولذا لابد من حمل نصوص الدالة على جواز جمع الصلاتين على حالة العذر كالمطر والثلج أو السفر .
 ويرد على هذا التوجيه :إن الترمذي انفرد بنقل هذه الرواية ولم ينقلها غيره من أرباب الحديث وهي ضعيفة السند باعتراف الترمذي نفسه فقد فقال بعد نقل الرواية (وحنش هذا أبو علي الرحبي وهو حسين بن قيس وهو ضعيف عند أهل الحديث )أي أن احد الرواة للرواية ضعيف وهو (حنش) وهو (أبو علي حسين بن قيس الرحبي الواسطي الملقب بحنش) فقد طعن فيه كثير من علماء الجرح والتعديل .فقد قال عنه احمد بن حنبل والنسائي (متروك الحديث )(العلل ومعرفة الرجال احمد بن حنبل ج2 ص486 الضعفاء والمتروكين النسائي ص169) .وقال عنه العقيلي (متروك الحديث ضعيف ليس بشيء) (الضعفاء الكبير  محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي ج1 ص247.).وقال عنه البخاري (أحاديثه منكرة ولا يكتب حديثه) (تهذيب التهذيب ابن حجر ج3 ص314.).إلى غير ذلك الكثير من تصريحاتهم وهناك تفصيل مذكور في كتب الحديث يمكن مراجعته  وأيضا في سند الرواية (عكرمة مولى ابن عباس) وهو أيضا ممن كثر الطعن فيه والاتهام بالكذب فقد قال عنه يحيى ابن سعيد (كذاب)وقد اعرض عنه مالك وتجنبه مسلم فلم يرو عنه وينقل عن ابن المسيب انه قال لمولاه برد (لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس ) وينقل أن علي بن عبد الله بن عباس أخذه وشد وثاقه عند باب الكنيف ,ولما أنكر عليه ذلك وقيل له ألا تتقي الله ,قال إن هذا الخبيث يكذب على أبي ) (راجع ميزان الاعتدال للذهبي ج3 ص97 ) .هذا حال سند الرواية ,وحتى مع الغض عن سندها فانه لاتقوى على معارضة الأخبار الكثيرة الصحيحة السند، القوية الدلالة والتي تأبى عن الحمل على صورة العذر والسفر لان بعضها يصرح بأنه (ص)جمع من غير خوف ولا سفر ...الخ.وبالتالي فالذي هو أولى بالسقوط هو رواية منع الجمع .
4.حمل نصوص الجمع على انه كان لعذر كالمطر أو انه في حال السفر لا الحضر .كما وجهها بذلك التوجيه الإمام مالك في الموطأ فانه بعد أن أورد حديث ابن عباس (صلى رسول الله الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا من غير خوف ولا سفر) قال الإمام مالك بعد ذلك مباشرة (أرى ذلك كان في مطر)(الموطأ  الإمام مالك ج1 ص144)  وكذا فعل غيره (كالشافعي في الأم والبخاري في صحيحه . ) .

ويرد على هذا التوجيه :إن ما تقدم من النصوص ماهو صريح في أن الجمع لم يكن في سفر أو خوف أو مطر .بل إنما كان لرفع الحرج عن الأمة فكيف توجه بان الجمع كان في المطر والسفر.قال السيوطي في رد ما ذكره الإمام مالك (للعلماء في هذا الحديث أقوال منهم من تأوله على أنه جمع بقدر المطر ,وهذا مشهور عن جماعة من الكبار المتقدمين وهو ضعيف بالرواية الأخرى في مسلم من غير خوف ولامطر ) (تنوير الحوالك السيوطي ص162) .
5- إن الجمع كان جمعا صوريا لا حقيقيا,بمعنى انه (ص) أخر الظهر إلى حد بقي من وقتها مقدار أربع ركعات فصلاها وبعد أن أكملها دخل وقت العصر فصلاها .فانه (ص) لما فعل ذلك قيل انه (ص)جمع بين الصلاتين .مع انه (ص)صلى كل صلاة في وقتها الخاص بها,ذهب إلى هذا التوجيه كثير من أعلام الحنفية وغيرهم .
 ويرد على هذا التوجيه :
اولا :
إنه لا دليل على ذلك ,بل إن الظاهر من كلمة (الجمع)الواردة في الأحاديث خلاف ذلك ,إذ الظاهر منها في عرف الشريعة هو جمع صلاتين في وقت أحدهما أما جمع تقديم أو جمع تأخير ,وهذا هو المستفاد من روايات الجمع بعرفة ومزدلفة ,ولو كان المراد من جمع الصلاتين هو هذا المعنى فكيف سيوجهون الحديث الذي  يرون صحته وهو (من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر) فان كان الجمع بمعنى إتيان الصلاة في آخر وقتها وإتيان الأخرى بعدها فسيكون النبي (ص)قد أتى بكبيرة حاشاه (ص) لأنه ثبت انه جمع بين الصلاتين .مما يؤكد إن التوجيه المذكور باطل جدا .
ثانيا :
ومما يبطله أيضا إن بعض النصوص كما تقدم يستفاد منه جمع التقديم وهو لايمكن أن يتلائم مع الجمع الصوري المذكور ,وأيضا مما يبطل التوجيه المذكور انه لو كان المراد بالجمع الصوري منه لما عللته الروايات بأنه إنما كان لأجل رفع الحرج عن الأمة ,فمن الواضح إن الجمع الصوري في الحقيقة أكثر حرجا وضيقا من التفريق لان الإتيان بكل صلاة في وقتها أوسع من مراعاة طرفي الوقتين بحيث لا يبقى من وقت الأولى إلا مقدار فعلها فان الجمع على هذا هو الحرج لا أن فيه رفعا للحرج والضيق .

الخاتمة
       مما تقدم يتضح جواز جمع الصلاتين وأيضا جواز تفريقهما ,ولكن أيهما هو الأفضل والمستحب؟ ,الجواب إن المستفاد من النصوص الواردة عن أهل بيت العصمة (ع) إن التفريق هو الأفضل للظهرين  لمن أراد إتيان نوافلهما .أما من لا يريد الإتيان بنوافل الظهرين فالأفضل هو جمع الظهرين لا التفريق . ففي رواية محمد بن حكيم عن أبي الحسن (ع)(قال سمعته يقول الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن تطوع ,فإذا كان بينهما تطوع فلاجمع) (وسائل الشيعة كتاب الصلاة  الباب 33  أبواب المواقيت الحديث  3).وعلى هذا المعنى تحمل الروايات التي حددت وقت الظهر بالذراع والعصر بالذراعين ,كرواية زرارة عن أبي جعفر (سألته عن وقت الظهر فقال (ع) ذراع من زوال الشمس ,ووقت العصر ذراعان من وقت الظهر ,فذلك أربعة أقدام من زوال الشمس قال زرارة قال لي أبو جعفر حين سألته عن ذلك إن حائط مجد رسول الله (ص)قامة فكان إذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر ,وإذا مضى من فيئه ذراعان صلى العصر ثم قال أتدري لِمَ جعل الذراع والذراعان ,قلت لِمَ جعل ذلك قال لمكان النافلة فان لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي الفيء ذراعا فإذا بلغ فيؤك ذراعا من الزوال بدأت الفريضة وتركت النافلة, وإذا بلغ فيؤك ذراعين من الزوال بدأت الفريضة وتركت النافلة ) (وسائل الشيعة كتاب الصلاة  الباب 8 أبواب المواقيت الحديث 3) .
أما من لم يرد الإتيان بالنافلة فيستحب له جمع الصلاتين لاستحباب المسارعة إلى الخير والمغفرة والتعجيل بالعمل الصالح قال تعالى (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (سورة آل عمران 133  ).وقال (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ )(سورة الأنبياء 90)  وقال (أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)(سورة المؤمنون61)  وقال (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (سورة الحديد(21)).وعن زرارة قال أبو جعفر (ع)(أعلم إن أول الوقت أفضل أبدا فعجل الخير ما استطعت .وأحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه العبد وإن قل) (وسائل الشيعة ج5 ص135) ,وفي رواية أخرى (قلت لأبي جعفر (ع)أصلحك الله وقت كل صلاة أول أفضل أو وسطه أو آخرة قال أوله إن النبي (ص) قال إن الله يحب من الخير ما يعجل),أما صلاة العشاء فيستحب إتيانها  بعد زوال الحمرة المغربية فان استدعى ذلك التفريق فهو أفضل ففي رواية بكر بن محمد عن أبي عبد الله (ع) (أول وقت العشاء الآخرة ذهاب الحمرة )وحملت على الاستحباب جمعا بينها وبين روايات كثيرة العدد  تدل على إن وقت صلاة العشاء عند الغروب الشرعي وانه إذا حل وقت الغروب الشرعي فقد دخل الوقتان المغرب والعشاء .

------------------------------------------------------------

الشيخ عمار الخزعلي
استاذ في الحوزة العلمية / النجف الأشرف

 

المعرض


ملاحظة/ التعليق يخضع لمراجعة الادارة قبل النشر
التعليقات