29/10/2022
4732 مشاهدة
مرت دولة إفريقيا الوسطى بأزمات داخلية منذ منتصف القرن العشرين تمثلت بالانقلابات والاضطرابات الداخلية، و لكي يتم الخروج الآمن من هذه الوضعية لا بد من حلحلة بعض المشـــكلات التاريخية المتراكمـــة، بالإضافة إلـــى العامل الخارجـــي، وإذا اســـتمرت هذه الاشكاليات فأن الأزمة الأفرووسطية اذا صح التعبير ستظهر بين الفينة والأخرى .
تعود الأزمـــات المتلاحقة في دولة إفريقيا الوســـطى إلى النشـــأة الأولى للدولة الحديثة، فقد أُنشـــئت هـــذه الدولة بعد فـــك الارتباط بينها وبين بعض دول الجوار، وبخاصة تشـــاد، والكونغـــو الديمقراطية ( زائير) فقد عرفت هذه الدولة تاريخياً بـاسم (أو بانغي – شاري) فجمعت بين أجزائها الجزء الجنوبي من تشاد، والجزء الشمالي من (دولة زائير) وبعد الاتفاقية التي تمت بيـــن بلجيكا وفرنسا ، إبان انعقاد مؤتمر برلين لتقسيم مناطق النفوذ في إفريقيا في سنة 1884 تم الاتفاق بين الدولتين على الحدود الحالية لدولة إفريقيا الوســـطى، والتي تحدها من الشمال منطقة (زنقو) ومن الجنوب بالنسبة لإفريقيا الوسطى منطقة (بانغي ) ولتقوم هذه الدولة الناشـــئة فقد ضمت إليها فرنسا أجزاء مـــن مملكتي (باقرمي )في الشـــمال الغربي من إفريقيا الوســـطى، ووداي في الجزء الشمالي الشرقي، كما تم تحديد حدودها مع الكاميرون بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية .
عرفت افريقيا الوسطى تاريخياً ضمن مجموعة افريقيا الاستوائية التي تتكون من ( الكاميرون والكونغو والجابون وبرازفيل وتشاد ) ، قبل ان تتشكل الدولة الحديثة بها سنة 1938 م، باسم مستعمرة ( اوبانغي) ، ومنذ نيل استقلالها ضمن المجموعة الفرنسية بتاريخ ( 13/ 8 / 1960 م) ، وتغيير اسمها الى ( جمهورية افريقيا الوسطى ) بدأت تشهد أزمات بين نخبها السياسية ، نظراً الى وضع فرنسا لها تحت سيطرتها الكاملة باعتبارها تمثل مخزوناً استراتيجياً لها ، لما تتمتع به من خيرات تحت الارض وفوقها ، ومدينة بانغي كانت نقطة انطلاق البعثات التنصيرية في انحاء افريقيا الوسطى وبخاصة الاجزاء الوسطى منها ، بدأت النصرانية بعد ذلك بدعم من القوات الفرنسية في انشاء مؤسساتها الدينية والتعليمية ، وهيمنت بصورة كاملة على التعليم ، فتحولت هذه الديانة الجديدة من ديانة اقلية الى ديانة اكثرية في افريقيا الوسطى نيل البلاد استقلالها سنة 1960 م، ففي سنة 1958 كانت السيطرة لمجموعة من خريجي المدارس الكاثوليكية على الحياة العامة ، وقد ترأس الدولة بعد استقلالها الرئيس ( ديفيد داكو ) حيث تولى السلطة في المدة ما بين (1959- 1966 م) ويعتبر هو من انتاج المدارس الكنسية ، ومن ثم اصبح عرفاً متبعاً ان كل من يتولى رئاسة افريقيا الوسطى يجب ان يكون من معتنقي الكاثوليكية ، وهو ما كان عليه الامبراطور ( جان بيدل بوكاسا ) الذي حكم في المدة ما بين ( 1966- 1977 م) ، ثم ( ديفيد داكو ) مرة اخرى ، فقد اعيد بانقلاب فرنسي على الامبراطور ( بوكاسا ) فحكم في المدة من ( 1979- 1981 م) ومعظم هؤلاء الرؤساء اما قساوسة او مرتبطون بالكنيسة الكاثوليكية ، وهو الامر الذي تم كسره عند وصول الرئيس الحالي ( ميشيل جوتوديا ) فهو اول رئيس من مسلم الديانة يتولى الحكم في دولة لم يرأسها من قبل الا قس كاثوليكي وهذا الرئيس ليس شخصاً وافداً او مهتدياً الى الاسلام ، بل هو من القبائل الرئيسية المسلمة في البلاد ، وهو الامر الذي شكل خطراً على الدوائر الكنسية والغربية معاً ، وكل الرؤساء الذين تولوا السلطة بعد ( ديفيد داكو ) جاؤوا بانقلابات او ثورات عسكرية ، وهو ما كان من امر ( ميشيل ) ومن الملاحظات المهمة والاسباب التي تحول دون اعتراف فرنسا به انه الوحيد من بين كل هؤلاء الرؤساء لم يكن من صناعة فرنسا، فقد كانت دراسته في روسيا ، وتخرج من كلية الاقتصاد هناك ، ولم يتخرج من المؤسسات الكنسية في افريقيا الوسطى كما حو حال اقرانه من الرؤساء السابقين لفرنسا سوابق في الانقلابات العسكرية في افريقيا ، ومساندة الانظمة الديكتاتورية ضد التوجهات المعادية لسياساتها ، التي تنص بنودها الاولى على ان الاقتصاد اساس السياسة الفرنسية مع مستعمراتها ، فاذا لم تكن افريقيا الوسطى من تلك الدول التي نفذت فيها فرنسا مباشرة عبر مرتزقتها عمليات انقلابية ، وفي افريقيا الوسطى وقعت أولى العمليات الانقلابية على الرئيس ( بوكاسا ) حين كان في زيارة لليبيا ، ولم يكن هو على توافق مع فرنسا والغرب في سنوات حكمه الاخيرة عموماً ، وهو ما جعل الغرب يصوره وكأنه آكل لحوم البشر ، وشاركت فرنسا بدعم غير مباشر في العمليات الاخرى ، لأن الاستقرار يعني اعتماد افريقيا الوسطى على مصادرها الداخلية وهو ما لا تحبذه الشركات الفرنسية .
لو ربطنا سياسة فرنسا آنذاك وسياستها الآن نرى انها تنـــزل إلى أرض الواقع وكلها خيبة جراء الإخفاقات في مشروعها الانقلابي منذ مطلع القرن العشرين ، وتسعى الآن إلى فرض قواعد جديدة للعبة الانقلابات ، والضغط علـــى الحكومات وفقاً للتفويض الدولـــي لهـــا، ولكن هـــل تســـتطيع الحكومة الفرنسية أن تفرض هيمنتها وقوتها من جديد؟ لعل الأيام القادمة حبلى بالكثير.
إن خطابات القساوسة في عدد من الكنائـــس، وبخاصة الكاثوليكية منها، تدعو إلى السلم الاجتماعي، بعـــد أن أدركت إخفاقها وإخفـــاق راعيتها في قلب الحكومة، وأن الشرارة التي بدؤوها قد لا تتوقف عند (بانغي) فقد تتدخل قبائل من دول لجوار نصرة لإخوانهم، وخصوصاً من تشـــاد والســـودان، وهو ما يخشاه مجلس الكنائس في بانغي وجنوب الســـودان والكاميرون، فهل هم صادقون في دعوتهم تلك، أو أنها مجرد خدعة إن ّ كل مـــا جـــرى فجر الخميـــس الدامي الخامس من شهر كانون الاول سنة 2013م عملية انقلابية على سبيل المثال .