10/02/2016
5704 مشاهدة
تمهيـــــــد
تعد السابقة الذهنية ، او ما يسمى بالإدراكات السابقة على الحدث احد العوامل المؤثرة في صناعة القرار ، وتبني المواقف ، ورسم السياسات التفاعلية تجاه الاخر . وقد اشار القران الكريم الى هذه السوابق الذهنية على احدى الآراء في تفسير قوله تعالى ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) .
وللسابقة الذهنية مناشئ متعددة بعضها يمكن ان يستند الى الواقع وبعضها الاخر يستند الى الاصطناع . فالواقع ومن خلال المعطيات التي يتوفر عليها الفرد او المجتمع يمكن ان تتبلور لديه صورة ذهنية تتحول تدريجيا الى سابقة ذهنية تتحكم في اتجاهات التفاعلات المستقبلية مع الاخر . وهذا النوع من المناشئ بلاشك يمتلك من القوة ما يجعله في مرتبة الاستشرافات المستقبلية المستندة الى الامور الواقعية ، والتي يمكن الاستعانة في مقام تقريب معناها بالتعبير القرآني ( سنة الله ) قال تعالى ( سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ) .
واما بالنسبة الى المناشئ الاصطناعية ، فهي المناشئ الناتجة عن جملة الابعاد الغائية التي تتبناها الجهة التي تقف وراء صناعة هذا التصور الاستباقي ، والذي ينطلق من الاهداف التي تسعى اليها هذه الجهة ، والمكاسب التي تطمح الى تحقيقها .
والقارة الافريقية هي احدى الموضوعات التي تمت صياغة صورتها ـــــ في المدرك العالمي عموما ، والعربي على نحو الخصوص ـــــ على هيئة ، وصورة اصبحت من اجلى صور السابقة الذهنية ، فاليوم عندما يطرح السؤال عن الصورة الذهنية لدى المجتمع عن القارة الافريقية ، وما تعنيه لهم هذه القارة ، فان اغلب الاجوبة التي تصل الينا تكون منطلقة من الصورة السلبية المرتسمة في الاذهان ، وعلى اساس هذه الصور الذهنية السلبية يقوم ببناء مواقفه ، وتفاعلاته مع الشأن الافريقي ، مع الاخذ بالاعتبار بان اغلب من يحمل هذا التصور ليس له أي تواصل او احتكاك مباشر مع القارة الافريقية ، وانما يعتمد على ما يتلقاه من مناشئ صناعة هذه الصورة وكما سياتي .
نعم ربما نستلم بعض الاجوبة المختلفة ، الا ان ندرتها يمكن ان تجعلنا نصنفها في عداد الشاذ ، عن الحالة العامة .
هذه الصور المتنوعة عن القارة الافريقية مع الاسباب الكامنة وراء تشكيلها في المدرك العربي عموما والعراقي على وجه الخصوص ، والادوات التي ساهمت في تشكيلها ، ستكون قضيتنا التي نحاول اخضاعها الى التشريح والتحليل العلمي . من خلال النقاط التالية:
النقطة الاولى : انواع الصورة الادراكية للقارة الافريقية .
الاول : قارة التخلف
ربما يكون هذا التصور عن القارة الافريقية هو التصور الاكثر شيوعا وانتشارا في الوسط العربي والعراقي على حد سواء ، وهو تصور جاء متأثرا بالعديد من العوامل الداخلية والخارجية والتي ساهمت في صياغته ، وانطباعه ، وترسيخه في العقل العربي والعراقي .
الثاني : القارة المجهولة
يقوم هذا (الادراك) على اساس الجهل بالقارة الافريقية ، والافتقار للمعلومة التي يمكن من خلالها رسم الصورة الذهنية . وايضا هذا النوع من الصورة الذهنية عن القارة الافريقية له اسبابه الموضوعية والتي سياتي الحديث عنها .
الثالث : قارة المستقبل
وهي الصورة الادراكية الموجودة في الوسط العلمي والتخصصي ، وبعض اصحاب التجارب الشخصية ممن تمكن بصورة او بأخرى من الوصول الى القارة الافريقية والاطلاع عليها عن كثب ، ولعل من ابرز امثلتها الرحلات الاستكشافية التي قام بها بعض المؤرخين العرب ، والباحثين العراقيين ممكن اتخذ من القارة الافريقية مجالا علميا وجغرافيا تخصصيا .
واصحاب هذا الادراك ينظرون الى القارة الافريقية بعين المستقبل اكثر مما ينظرون اليها بعين الماضي والحاضر ، مستندين في ذلك الى العديد من البحوث والدراسات الميدانية ،والوصفية التي ينبئ عن المستقبل الزاهر الذي ينتظر هذه القارة ، والدور الذي يمكن ان تلعبه في النظام العالمي الجديد سواء على المستوى السياسي لما تمثله من قوة سياسية كبيرة ومؤثرة يمكن توظيفها لتحقيق الاهداف السياسية للعديد من دول العالم ، مثل سعي اليابان حاليا الى كسب صوت القارة الافريقية في الامم المتحدة للحصول على مقعد دائم في مجلس الامن .
او على المستوى الاقتصادي نظرا لحجم الثروات الطبيعية المتوفرة في القارة ، والتي يرى بعض المتابعين للشأن الاقتصادي الافريقي بان الاعوام القليلة القادمة يمكنها ان تقلب موازين الانتاج النفطي مثلا لتجعل من القارة الافريقية المصدر الاول للإنتاج على مستوى العالم ، ليحتل موقع الخليج العربي ، حيث اشارت بعض الدراسات في الاقتصاد السياسي الى ان عام 2020 يمكن ان يصل فيه الانتاج النفطي للقارة الافريقية نسبة 25% مقابل 20% لصالح انتاج النفط في منطقة الخليج العربي . وفي هذا الصدد اشار (ايسى امارا) الامين العام لمنظمة الوحدة الافريقية في تصريحه بان أفريقيا ستحقق الازدهار في القرن ال(21 ) بعد اقامة الاتحاد الأفريقي ووضعه لخطة الشراكة الجديدة لتنمية افريقيا "نيباد"، لاسيما مع وجود الارقام والتقديرات التي ذكرتها التقارير الدولية والتي تشير الى وجود تقدم لدى بعض دول القارة الأفريقية على عدة مستويات تنموية وديمقراطية.
النقطة الثانية : اسباب هذا الادراك .
اولا : الاسباب الداخلية :
1- الاكاديمية :
على المستوى العملي ، فقد كانت وما تزال القارة الافريقية موضع اهتمام العالم المتقدم ، والقوى العظمى ، بل الصاعدة ايضا. فالسياق التاريخي لواقع القارة الافريقية يشير الى انها ومنذ القرن الخامس عشر الميلادي وهي مسرحا للقوى الاستعمارية سواء على مستوى الرحلات الاستكشافية ، او الهيمنة العسكرية ، او السياسية في مرحلة ما بعد الاستعمار ( الاستعمار الجديد كما يطلق عليه نكروما ) .
واما على مستوى العلمي فان الدراسات الافريقية عالميا تعد واحدة من المجالات العلمية التي تشغل مكانة كبيرة وواسعة في العديد من الجامعات العالمية ، ولها مناهجها الدراسية ، ومنهجيتها البحثية ، واما عربيا فبالرغم من التناظر في الظروف السياسية بين العالم العربي والقارة الافريقية ، واجتماعهما تحت قبة العديد من المنظمات الدولية والاقليمية كمنظمة الامم المتحدة ، ومنظمة عدم الانحياز ، اضافة الى الاتحاد الافريقي ، الا ان المؤسسات العلمية العربية لم تجعل من القارة الافريقية مجالا اكاديميا بالمستوى الذي يتناسب وما عليه هذه القارة من اهمية جيوسيتراتيجية . نعم يمكن استثناء بعض دول الشمال الافريقي التي قامت بتأسيس بعض المعاهد المتخصصة للدراسات الافريقية مثل معهد البحوث والدراسات الافريقية التابع الى جامعة القاهرة ، اضافة الى المعهد الاخر في السودان ، والمراكز البحثية في الجزائر . الا ان ما يمكن تسجيله على هذه المؤسسات الاكاديمية انها لم تصل الى مستوى ما وصلت اليه الجامعات العالمية في الغرب في المجال التطبيقي .
عراقيا نجد ان بعض المتخصصين من اساتذة الجامعات العراقية كان يرى بان تأسيس مركز للدراسات الافريقية يعد حلما صعب المنال ، بل ان استاذ اخر عندما طرق مسامعه تأسيس مركز للدراسات الافريقية في العتبة العباسية المقدسة استغرب من هكذا توجه لدى العتبة معتبرا اياه نوعا من النضج في التفكير والاداء لدى المؤسسات الدينية بحيث انها بدأت تفكر في تأسيس المراكز البحثية والعلمية المتخصصة ومنها ما يتعلق بالدراسات الافريقية .
ومن خلال العديد من الحلقات النقاشية التي اقيمت في مركز الدراسات الافريقية اتضح جليا ومن خلال ما ذكره المشاركون في هذه الحلقات النقاشية بان الدراسات الافريقية تمثل مساحة الفراغ في الدراسات الاكاديمية ، مساحة تعاني من نقص في الكفاءات العلمية ، اضافة الى ندرة المصادر العلمية التي يمكن ان يرجع اليها الباحث . اضافة الى فقدان التواصل بين الباحث ، والبيئة البحثية في القارة الافريقية نتيجة غياب التصور الواقعي عن هذه القارة ، ووجود السابقة الذهنية المتأثرة بما بالسياسة الاعلامية للقنوات الغربية في تعاطيها مع القارة الافريقية ، مع عجز الباحث العراقي ــــ غالبا ــــ عن التواصل الاكاديمي نتيجة لفقدانه لأدوات الاتصال ومنها اللغة . هذه الاسباب وغيرها شكلت عائقا اما التوجه العام لطلبة الدراسات العليا في الجامعات العراقية نحو التخصص في الدراسات الافريقية .
وبعبارة اخرى ان واقع الدراسات الافريقية يحتاج الى اعادة النظر في المنهجية التي من خلالها يتم دراسة هذه القارة ، بل ان دراسة القارة الافريقية يشهد غياب لمنهجية دراسية تقوم على اساس وجود المقررات الدراسية الخاصة بها ، والكفاءة العلمية التي تقوم على تدريس هذه المقررات الدراسية بالمستوى التي تبدأ بالتأسيس الى مسار علمي جديد متخصص بالقارة الافريقية ، يسعى على المدى الاستراتيجي الى بناء كفاءات علمية تتمكن من الاحاطة بجميع الجوانب البحثية للقارة الافريقية سواء الاجتماعية منها او الاقتصادية او السياسية او الفكرية او غيرها .
ربما يعود سبب ضعف الاهتمام بالدراسات الافريقية يرجع الى غياب التوجه الحكومي باتجاه هذه القارة ، وان التوجه المحدود لدى المؤسسات الحكومية انما كان لأغراض دعائية اكثر منها اغراض موضوعية .
ان الطموح الذي يرتجى للدراسات الافريقية ان تكون بمستوى الوضع الجديد الذي تلعبه القارة الافريقية ، خصوصا بعد التوجه العالمي الجديد باتجاه القارة الافريقية ، حيث توسعة دائرة الاهتمام بالقارة الافريقية لتشمل دولا لم يكن لها ذلك الحضور على المستوى العالمي كاليابان ، وتركيا ، وايران والسعودية .
2- السياسية : العلاقات العراقية الافريقية
بدأت العلاقات العراقية الافريقية بعد ثورة 1958 . وذلك بعد ان بدأت عملية دول القارة الافريقية تنال استقلالها عن الاستعمار الغربي(1) ، وكانت غانا اول دولة تنال استقلالها ، وقد كان لموقف الدول الافريقية من الصراع الاسرائيلي اثره في التوجه العربي والعراقي لبناء علاقات دولية مع القارة الافريقية س ا، فقد قامت الدول الافريقية بقطع علاقاتها مع اسرائيل بعد حرب عام 1967 . ايضا كان للعراق مواقفه الايجابية تجاه الازمات في القارة الافريقية ومنها موقفه من التمييز العنصري لحكومة جنوب افريقيا . ودعمه المالي للدول الافريقية حديثة الاستقلال كالسنغال ، حيث قدم العراق لها مساعدة مالية خلال زيارة الرئيس السنغالي ( ابراهيم يناس ) للبلاد عام 1960 . اضافة الى افتتاح العديد من المشاريع الاقتصادية والتعليمية في العديد من الدول الافريقية .
مراحل تاسيس البعثات الدبلوماسية العراقية في افريقيا :
السياق التاريخي للعلاقات العراقية الافريقية على مستوى التمثيل الدبلوماسي يبدأ النصف الثاني من القرن العشرين ، وهي الفترة التي بدأت فيها الدول الافريقية تخرج من دائرة الاستعمار الغربي . تعرضت العلاقات العراقية الافريقية الى العديد من الازمات منذ بدايتها ولغاية الوقت الحالي ، لذا يمكن ان نصف هذه العلاقات وفقا للمراحل التالية :
المرحلة الاولى : مرحلة الانطلاق
تبدأ هذه المرحلة في العام 1960 حيث تم افتتاح اول سفارة للعراق في افريقيا جنوب الصحراء وتحديدا في غانا ، ثم تلتها في العام اللاحق افتتاح سفارة العراق في نيجيريا ، ثم بدأت تتسع دائرة التمثيل الدبلوماسي للعراق في القارة الافريقية لتصل الى ستة وثلاثين دولة .
المرحلة الثانية : من عام 1982 ــــــ 1996 .
هذه المرحلة توصف بانها مرحلة التراجع والانكفاء في التمثيل الدبلوماسي حيث لم يتبقى للعراق اي تمثيل دبلوماسي في القارة الافريقية بعد اغلاقه لجميع ممثلياته الدبلوماسية فيها خصوصا بعد غزو العراق للكويت وقرارات الامم المتحدة ومجلس الامن التي فرضت حصارا اقتصاديا على العراق لذا توقف الدعم العراقي للدول الافريقية وبصورة تامة .
المرحلة الثالثة : من عام 1997 ــــــ 2003 .
في هذه المرحلة وتحديدا عند العام 1997 بدا العراق في اعادة نشاطه الدبلوماسي في القارة الافريقية ، حيث كان له تمثيل دبلوماسي في كل من نيجيريا ( غرب افريقيا ) وجنوب افريقيا ( جنوب القارة الافريقية ) ، اعتمد العراق في هذه المرحلة استراتيجية تعتمد على النوع(2) دون الكم وبالتالي فان حضوره في نيجيريا لأهميتها الاقتصادية كونها من البلدان المصدرة للنفط ، اضافة الى الكثافة السكانية ، واما جنوب افريقيا فان التقدم التكنلوجي في هذه البلاد والتطور الصناعي فيها جعلها من البلدان المتميزة في القارة الافريقية .
وفي عام 2001 توسع التمثيل الدبلوماسي للعراق في افريقيا فكان له في جمهورية مالي ( غرب افريقيا ) وكينيا ( شرق افريقيا ) تمثيلا دبلوماسيا .
المرحلة الرابعة : من عام 2003 ــــــــ 2016 .
خلال هذه الفترة لم يكن للعراق استراتيجية واضحة تجاه القارة الافريقية ولعل هذا يرجع الى جملة من الاسباب ابرزها انشغال العراق في تداعيات الغزو الامريكي للعراق ، وما نتج عنه من غياب للسلطة ، وظهور التنظيمات المسلحة ، وتحول العراق الى ساحة للصراع العالمي والاقليمي مضافا الى عملية بناء الدولة بعد الانهيار .
العراق خلال هذه الفترة كان له اربعة بعثات دبلوماسية وكل ممثلية منها تكون مسؤولة عن الدول القريبة منها اقليميا :
1- السنغال ( غرب افريقيا ) .
2- كينيا ( شرق افريقيا ) .
3- نيجيريا ( وسط غرب افريقيا ) .
4- جنوب افريقيا ( جنوب القارة الافريقية ) .
ثانيا : الاسباب الخارجية
1- الاستعمار الغربي .
لقد كان من نتائج الاستكشافات الجغرافية التي قام بها الغرب خلال القرن الخامس عشر الميلادي ، ابتداء بالحملة البرتغالية ان القارة الافريقية تمثل منجما للمواد الاولية التي تحتاج اليها اوربا في نهضتها ، واستعادت حضارتها التي اصابها الافول بعد ظهور الحضارة الاسلامية . لذا كان الغرب ينظر الى القارة الافريقية على انها مجاله الحيوي ، والضمان لبقاء واستمرار تفوقه ، لذا ونتيجة للصراع الاوربي الذي نشب بين الدول الاستعمارية على القارة الافريقية فقد تم التوصل الى عقد مؤتمر برلين 1885 ــــ 1886 ، وهو المؤتمر الذي انتهى بالتوافق بين الدول الاوربية على تنظيم عملية التدافع والاستعمار للقارة الافريقية ، لذا اطلق عليه البعض مؤتمر تقسيم افريقيا . وقد حاول الاستعمار الغربي ومن خلال العديد من الخطط والبرامج القائمة على الغاء الهوية الافريقية ـــــ كما فعلت فرنسا وايطاليا ــــ اضافة الى ممارسة سياسة التجهيل للمجتمع الافريقي من خلال تحديد عدد المدارس ، وتقليص فرص التعليم ، واثارة الصراعات القبلية ، ونشر العنف بين ابناء المجتمع الافريقي ، كل هذه الاسباب مجتمعة كانت تمثل سياسة استعمارية لضمان سيطرة الغرب على كنوز القارة الافريقية من جهة ، وتصوير المجتمع الافريقي على انه مجتمع خارج اطار التاريخ والحضارة ، بل ان الحضارة الموجودة في افريقيا انما هي الحضارة الغربية لا اكثر حسب ما يتبناه عدد من المنظرين الغربيين من جهة اخرى.
2- الاعلام الغربي .
يتمثل الاعلام الغربي بمنظومة المحطات الفضائية التي تجعل من العنف ، والجوع . والتخلف مادتها الاعلامية التي يتم نقلها عبر شبكة مراسليها في القارة الافريقية ، اضافة الى انتاج العديد من الافلام التي يظهر فيها الافريقي على انه شخص تابع ، ومقلد للرجل الابيض . فشركات الانتاج السينمائي الكبرى مثل هوليود وغيرها تجعل من الرجل الافريقي الطرف الاضعف والعاجز في اعمالها . فضلا عن الاعلام المقروء الذي كان وما يزال يتعاطى مع القارة الافريقية من ذات المنطلق الذي تتعاطى معه شبكة الاعلام المرئي.
3- النظريات الغربية .
لقد ساهمت النظريات الغربية في عملية التأسيس والبلورة لهذه الصورة الادراكية السلبية عن القارة الافريقية ، فقد كان هيغل (1770 ــ 1831 ) في كتابه فلسفة التاريخ يقول "ليست افريقيا قارة تاريخية ، اذ لا تبدي تغييرا ولا تطورا ، و شعوبها "ليس في وسعهم ان يتطوروا ولا ان يتأدبوا ، نراهم نحن اليوم على هذه لحال ، وهم كانوا دائما كذلك" (3).
تبنى هذا الرأي في القرن التاسع عشر احد اساتذة جامعة اكسفورد مصرحا بعدم وجود تاريخ لأفريقيا قائلا " قد يصير في المستقبل تاريخ يدرس لأفريقيا ، اما اليوم فليس لها تاريخ ، وهناك فقط تاريخ الاوربيين في افريقيا . وما عدا ذلك ظلمات . وليست الظلمات موضوعا للتاريخ ...... ان العالم الحاضر تسيطر عليه افكار اوربا الغربية وتقنياتها وقيمها سيطرة تجعل تاريخ اوربا وحده هو الذي يعتد به ، على الاقل خلال القرون الخمسة الاخيرة" (4).
واما الرحالة ريتشارد برتن (1821 ـ 1890 ) يصف الانسان الافريقي قائلا "الزنجي في الجملة ، لن يتحسن ولن يتجاوز نقطة معينة لا تستحق الاحترام ، وهو يبقى من الناحية الذهنية صبيا " (5) .
كل هذه الاسباب الداخلية والخارجية ساهمت وبشكل فاعل ومؤثر في صناعة الصورة السلبية عن القارة الافريقية ، مع ان الواقع الافريقي لايخلو من مستويات من الرقي والتقدم ، خصوصا ما شاهدناه في العديد من دول جنوب صحراء التي بت عواصمها للناظر افضل بكثير من العديد من عواصم البلدان غير الافريقية ، بل ان ما نسمعه عن التطور الكبير في جنوب افريقيا ربما يجعل منها في عداد الدول الاوربية .
ان استمرار التصور الذهني عن القارة الافريقية بهذه السلبية له انعكاساته المستقبلية ، لأنه تصور بات يتحكم في العديد من المشاريع المتعلقة بالقارة الافريقية ، ويكفينا الاشارة الى ان عودة الغرب ، وخصوصا الدول المتقدمة للتنافس على القارة الافريقية فيه دلالة كبيرة وواضحة على المستقبل الكبير الذي ينتظر هذه القارة ، والذي يمكن ان يقلب المعادلة في القريب العاجل لتصبح دول القارة الافريقية وخصوصا جنوب الصحراء دولا مانحة ، في ظل التراجع الكبير لاقتصاديات الدول العربية . والازمات التي احاطت بالمنطقة والتي لها من الاثار ما يحتاج الى عقود من الزمن لتجاوزها .
-----------------------------------------
1 - قحطان احمد سليمان الحمداني : السياسة الخارجية العراقية من 14 تموز 1958 الى 8 شباط 1963 ( مكتبة مدبولي . القاهرة . 2008 ) ص 366 .
2 - تصريح وزير الخارجية العراقي في الاربعاء 13 / 11 / 1996 في محاضرة تحت عنوان ( السياسة الخارجية العراقية ) القيت خلال مؤتمر مركز الدراسات الدولية العلمي السنوي / جامعة بغداد .
3- تاريخ افريقيا العام : جين افريك واخرين : ترجمة السويسي و الحمزاوي : المجلد الاول ( اللجنة العلمية الدولية لتحرير تاريخ افريقيا العام ـ اليونسكو 1980 ) : ص 46
4 - تاريخ افريقيا العام : جين افريك واخرين : ترجمة السويسي و الحمزاوي : المجلد الاول ( اللجنة العلمية الدولية لتحرير تاريخ افريقيا العام ـ اليونسكو 1980 ) : ص 47 .
5- تاريخ افريقيا العام : جين افريك واخرين : ترجمة السويسي و الحمزاوي : المجلد الاول ( اللجنة العلمية الدولية لتحرير تاريخ افريقيا العام ـ اليونسكو 1980 ) : ص 48 .