...

كيف تصنع الأعداء؟

إن أشد ما يقع في الغابة شناعة ورهبة النار، ذلك أنه ليس ثمة طريقة لإخمادها فكل شيء فيها يفنى، فالحيوانات التي لا تستطيع الفرار سريعا يغلبها الدخان فتحترق أو تختنق.
وفي ذات يوم تجتاح الغابة نيران شديدة يفر من هولها الحيوانات تجاه الشاطئ الآخر في أمان.
أما تلك التي لا تعرف السباحة كالقردة فقد تتعلق بغيرها من كبار الحيوانات فتحملها على الماء، والأرنب كمثل القردة لم يكن قادرا على السباحة ولكنه يختلف عنها في أن أحدا يستطيع أن يحمله ولكن أحدا لم يكن راغبا في حمله إلى الشاطئ الآخر لأنه حيوان ماكر يعرف كيف يفيد من كثير من البسطاء.. لذلك فهو يذرع شاطئ النهر ذهابا وجيئة ضارعا إلى عديد من الحيوانات أن تعبر به النهر، ويطلب أول الأمر من الأسد الذي يزمجر بعد أن يلقى بنفسه في الماء قائلا:
_ أغرب عن طريقي.
ثم يحاول مع الفيل لكن الفيل وقد تعلقت به مجموعة من القردة يهز خرطومه مستأنفا المسير ويقترب الأرنب من الفهد الذي يرد عليه مزمجرا ويقذف بنفسه في الما، وأخيرا يقترب من كلب متوحش ولكنه يتجاهله وينأى عنه لأن الأرنب كان قد خدعه من قبل. 
وأخيرا يرى الأرنب قاربا صغيرا يرسو قريبا من شاطئ النهر، لقد كان امله الوحيد في النجاة أن يجد شخصا يفر من النار عن طريق هذا القارب.. لذلك فهو يزحف مختفيا تحت لفافات الحصير الملقاة في قاع القارب، ويرقد ساكنا بينما تقترب منه النيران شيئا فشيئا، ويحس الأرنب قصيف اللهيب في اللحظة التي يستسلم فيها للهلاك.. ويسمع وقع أقدام مسرعة ويندفع رجل وزوجته من بين الأشجار نحو القارب ويلقي كل منهما بنفسه فيه، وفي لحظة كانا يجدفان في قوة عارمة نحو الشاطئ المقابل ويلتقط الأرنب أنفاسه مطمئنا حتى إذا وصل القارب إلى الشاطئ يقفز منه هاربا.
ومع ذلك فالأرنب ليس بالذي ينسى الأذى، لقد أقسم أن ينتقم من أولئك الذين ابوا أن يحملوه إلى الشاطئ الأخر، فلذلك فهو ينطلق باحثا عن الأسد فيلقاه مستقرا في كهفه غير راض عن نفسه في مسكنه الجديد فيقول له:
_ إنني في الواقع مسرور إذ أراك وقد نجوت في سلام من النيران.
ويزمجر الأسد إذ يستشعر شيئا من الاضطراب حين يرى الأرنب يشير إلى هذا الأمر.. ويقول:
(شكرا لك).
ويواصل الأرنب الحديث:
_ لقد هربت في شيء كثير من الدعة والاطمئنان.. إن رجلا كريما حملني في قاربه.. إنه بالطبع لعسير أن يستقر بالمرء المقام في مكان جدي، ولكن ماذا يفعل؟ إن النار إن لم تكن قد أتت على الدار القديمة فإن اللصوص لابد آخذوا كل شيء فيها.
ويزمجر الأسد أريد أن أرى لصا يسرق شيئا من متاعي. 
ويرد الأرنب في دهشة: ولكن واحدا فعل ذلك أفلا تعلم؟
_ ماذا تعني؟
_لقد مررت بالكهف القديم الذي كنت تأوي إليه والذي تركته في اليوم الذي اندلعت فيه النيران فوجدت الفيل قد دمره تدميرا كاملا.
وتميد الأرض تحت أقدام الأسد من زئيره.
_ حسنا.. أسف إذ أسبب لك هذا الاضطراب.. إنني واثق مما أقول لو كنت مثلك ما فكرت في الأمر أكثر من ذلك.. ومع ذلك فليس في وسعك أن تفعل شيئا
_ ها.. صحيح لا شيء؟ 
ويجلس الأسد مفكرا بينما يسر الأرنب سرورا شديدا من نفسه.. ثم ينطلق باحثا عن الفيل فيجده تحت شجرة ضخمة ظليلة فيعلن قائلا:
_ها.. هكذا لم تتحرك.
ويتساءل الفيل ماذا تعني من كلمة (تتحرك)إنني هنا من أيام منذ شبت النيران.
فيقول الأرنب:
_ اعلم.. ولكنني سمعت الفهد يقول إنه ليس من الإنصاف أن تتخذ لنفسك هذه الشجرة مكانا تنام تحته لأنها المكان الملائم الذي يريد هو وأنه إذا حاول النوم من فوق رأسك فإن شخيرك سوف يسهده.. لقد فهمت أنه سوف يطلب منك أن تترك المكان له.
ويدق الفيل المكان دقا شديدا ثم يقول:
_ حقا يا لوقاحته بالتأكيد سوف لن أتركه.
وينطلق الأرنب باحثا عن الفهد.
_أخشى أنك تعيش وقتا حرجا هنا.
ويرد الفهد موافقا:
_ إن الصيد هنا ليس جيدا ليس جيدا وإنني أتوقع أن يظل كذلك لأن المكان جديد بالنسبة لي فأن تعودت عليه فقد تتحسن الأمور.
_أخشى ألا يكون كذلك.. أعرف أن الكلب المتوحش مصمم على أن يقتلك جوعا فيخلو له المكان.. إنه يفزع جميع الحيوانات التي لا يصطادها لنفسه.. لقد شاهدته هذا الصباح يطارد قطيعا من الغزلان.
ويشتد غضب الفهد حين يسمع ذلك فيقول متحديا: 
_ سوف أعلمه.. انتظر لترى ما أنا فاعل به.
وفي نهاية اليوم تشب المعارك.. فالأسد يبحث عن الفيل وينقض عليه ويوشك الفيل أن يخنق الأسد وينطلق بحثا عن الفهد وينطلق باحثا عن الفهد ويوشك أن يخنقه أيضا ويهرب الفهد فيقابل الكلب الوحشي فينقض عليه ويوشك أن يقتله. 
من هذا اليوم فإن كل حيوان _بسبب خبث الأرنب وسوء طويته_ لم يعد على وئام مع غيره من سائر الحيوانات، فالفيلة تعرف دائما الوقت الذي يكون فيه الأسد مقيما في الأماكن المجاورة لها فتحس شيئا من عدم الطمأنينة وتهاجم الفهود والفيلة أو أي حيوان أخر لهذا السبب، ويخشى الكلب الوحشي أن يهاجمه حيوان أكبر منه حجما فهو لا يثق بأحد.
إن الأرنب وحده هو الذي يعرف حقيقة الآمر مازال يتظاهر بانه صديق للجميع.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

*. الحسيني, د. الحسيني معّدى, الاساطير الافريقية ,ط2, 2014م :ص163.