19/11/2022
5367 مشاهدة
يذهب بعض الباحثين إلى أن تأريخ العبودية يعود إلى بداية الحروب بين الناس, بينما يعتقد البعض الآخر أن الهزيمة في الحروب قد تكون أحد روافد العبودية وليست السبب الرئيسي لها,
كما أنهما –العبودية والحروب- غير مقترنتين تاريخياً, فمن الواضح أن العبودية إنما تحتاج إلى ضعيف (مملوك) ومتسلط (مالك) ورغبة لدى الاخير في التسلط بتملك الضعيف, وهذه العوامل ممكن أن توجد داخل القبيلة الواحدة من دون الحاجة إلى حدوث صراع بين القبائل, ويرى الحقوقيون أن أحد أسباب العبودية هو أن الفقير المدين يبيع نفسه للدائن بعد أن يقع تحت ضغط المطالبة بالمال, وكيف كان فإن العبودية كانت رائجة في العصور القديمة, ولا يمكن معرفة تأريخ بدايتها على نحو التحديد, ولكن بداية انحسارها قريبة من عصرنا إلى حدٍ ما.
فقد بدأ انحسار وجود العبيد على مرحلتين, المرحلة الأولى بفضل التشريعات الاسلامية التي توجب عتق العبيد في بعض الكفّارات, والمرحلة الثانية بفضل القوانين الوضعية التي منعت ملكية الانسان واعتبرته غير قانوني, فقد كانت العبودية قائمة في أوربا حتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي, وبعد هذه الفترة بدأت بالظهور تشريعات تحظر العبودية, ولعل بريطانيا أول السابقين في هذا المضمار, إذ ألغت بيع العبيد عام (1840م) وإن كان ذلك في المستعمرات التابعة لها, ثم تبعتها فرنسا عام (1848م), وبعدها هولندا عام (1863م)[1].
وللعبيد في أمريكا قصة تجمع الحقيقة والغرابة, فقد جاءت أول مجموعة من العبيد في امريكا للعمل في مزارع انتاج التبغ في جيمس تاون بولاية فرجينيا سنة (1619م), ثم انتشرت العبودية بعد ذلك في جميع انحاء المستوطنات الامريكية في القرنين السابع عشر والثامن عشر, جرى خلال ذلك بناء مؤسسات جديدة كان الافريقيون أبرز المشاركين في ذلك البناء, كما عملوا في صناعة القطن, إذ عزز اختراع محلاج القطن عام (1793م) العبودية بالنسبة لاقتصاد جنوب امريكا, وبحلول منتصف القرن التاسع عشر كانت العبودية قد انتشرت وترسخت مقترنة بتزايد حركة المطالبين بإلغاء العبودية في الشمال, وتوسعت الاحتجاجات بلا هوادة حتى تسببت بالحرب الأهلية من سنة (1861م) إلى (1865م) بين مناهضي العبودية في الشمال ومؤيدوها في الجنوب.
نتج عن تلك الحرب تحرير أربعة ملايين عبد من أصل سبعة ملايين افريقي كانوا في امريكا, وفيما بعد شارك العبيد في الحرب مع بريطانيا, إذ قاتل الافريقيون السود إلى جنب الأمريكيين, وساعدوا على استقلال امريكا عن المملكة المتحدة بعد أن كانت إحدى مستعمراتها.
وهكذا ساهم المستعبدين من افريقيا في صناعة امريكا وبنائها وتحررها, وما زالوا يساهمون في تطورها, أكل ذلك من دين على افريقيا دفعه لأمريكا ؟!, أم العكس هو الصحيح رداً للجميل فينبغي أن ترد امريكا الإحسان بالإحسان, وتشارك في تنمية الدول الافريقية لتنعم الشعوب السوداء بخيراتها و ثرواتها التي يكلّ اللسان عن إحصاءها, وعلى الرغم من ذلك تجدهم يرزحون تحت وطأة الفقر المدقع والحاجة في كل ميادين الحياة.
ولكن العبودية لم تنتهي عند هذا الحد, فالاستعباد وإن انحسر بمعنى من المعاني وهو تملّك الفرد واستجلاب المنافع بعمله, إلّا أنه لم يضمحل بشكل نهائي, فقد قدّرت تجارة الرقيق أواخر التسعينات من القرن المنصرم بـ (27) مليون مستعبد في عدة دول بما في ذلك دول أوربا الغربية[2], زد على ذلك هناك انحاء من الاستعباد تكاثرت وتفاقمت كالاستعباد في العمل فهو وإن كان بلا ملكية تدّعى, لكنه استغلال للفرد بحيث يعمل فوق طاقته ولا يأخذ من الأجر ما يستحق, كما ظهر نحو آخر من الاستعباد تزامن نشوئه مع انحسار الاستعمار العسكري وهو استعباد الشعوب, يعترف المستشرق الانكليزي (هيندمان) بالمعاملة البريطانية السيئة للشعب الهندي, إذ يقول "إن الانجليز تعاملوا مع شعب الهند معاملة الف مرة أسوأ من معاملة العبيد"[3], وبالنتيجة تهيمن الدول القوية اقتصادياً وعسكرياً على الدول المستضعفة لتحصل على أكبر قدر ممكن من ثرواتها بشتى الاساليب منها الاغتيال الاقتصادي[4].
وهكذا لم تهنأ الشعوب بعد اضمحلال ضرب ونشوء ضروب أخرى من العبودية, ولا يبدو أن المؤسسات العالمية تعمل بشكل جاد للقضاء على العبودية بمختلف اصنافها؛ وذلك لأن روافد العبودية المعاصرة أكبر وأقوى من المؤسسات العالمية بما في ذلك الأمم المتحدة, ولا توجد نوايا صادقة للقضاء على العبودية في العالم, فالاقتصاد الأسود –الذي يروّج العبيد والسلاح والمخدرات – في العالم يدار من نفس البلدان التي تعدّ الداعم الأكبر للأمم المتحدة, ولكن بوجه آخر وبمظهر مختلف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- الاسلام وتحرير العبيد, ناصر مكارم الشيرازي, دار النبلاء, الطبعة الأولى, 1415هـ-1995م: 10.
[2] - ينظر: الاقتصاد العالمي الخفي, لوريتا نابليوني, الدرا العربية للعلوم ناشرون:7.
[3] - ينظر: الاسلام وتحرير العبيد, ناصر مكارم الشيرازي, دار النبلاء, الطبعة الأولى, 1415هـ-1995م: 13.
[4] - ينظر: الاغتيال الاقتصادي للأمم, جون بيركنز, دار الأسرة: 17.