09/09/2022
2139 مشاهدة
أخذ الاهتمام العالمي بحقوق الإنسان يتصاعد شيئاً فشيئاً بعد الحرب العالمية الثانية؛ لما جرى فيها من انتهاكات أصابت شعوب العالم بالذهول والصدمة, ولم تنتهي تلك الانتهاكات بعد توقف الحرب فقد حدثت حروب عديدة بعد ذلك منها حرب فيتنام التي امتدت لعشرين سنة تقريباً (1955-1975م), كما لم يخل العالم من مجازر وإبادات جماعية غالباً ما قامت بها جهات حكومية.
ولقد كانت إفريقيا مرتعاً لجرائم الإبادة الجماعية حتى تسعينات القرن الماضي, وأبرزها المجازر الجماعية في الحرب الرواندية (1990-1993م) إذ ارتكبت فضائع قلّ نظيرها في التأريخ, منها مَقتَل ثمانمائة الف خلال مئة يوم في إبادة عرقية ارتكبها متطرفو قبائل الهوتو في حق قبائل التوتسي, ولكن بعد هذه الحادثة بعدة سنوات أخذ الوضع الإنساني يتحسّن تدريجياً بسبب تبدّل بعض الأنظمة الاستبدادية وحصول انتعاش اقتصادي استدرج يد جريمة لتنخرط في العمل فتلاشت العصابات المسلحة في المجتمع تاركين السلاح للدولة.
لكن الوضع الانساني العام لم يمسِ وردياً لدرجة غياب الظلم والتعسّف مطلقاً, بل برز تنكيل حكومي بمن يعلو صوته متظاهراً أو يمارس شعائراً لا تروق للسلطة, فقد تعرّض بعض المسلمين الشيعة إلى معاملة ظالمة وتعسفية في نيجيريا[1] طالت متظاهرين سلميين إذ وصلت لحد إطلاق الرصاص الحي والقتل بدم بارد, لقد كان الشرطة يلاحقون الناس العزّل وإن هربوا منهم خوفا ًمن الرصاص, حتى خلّف القمع غير المتوقع العشرات بين شهيد وجريح.
يبدو أن بعض المناطق في إفريقيا تأبى مغادرة الظلم والاستبداد والجرائم الوحشية سواء كانت شعبية أو حكومية وخصوصاً ما يحصل في نيجيريا, فبعد أن تلبدت زاريا بمجزرة[2] يندى لها جبين الانسانية, نكأت السلطة جرح الجماهير المهضومة لثلاثة ايام في أواخر أكتوبر الماضي (2018م) حين أطلقت الشرطة النار على مسيرة سلمية في اربعينية الإمام الحسين (عليه السلام), وقد كان للجيش عدة هجمات قبل هذه الحادثة خصوصاً ما نقلته ووثقته وكالات أنباء عالمية[3].
لقد بالغت نيجيريا في ارتكاب مخالفات جهنمية لحقوق الانسان, إذ تضمنت عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء, والاخفاء في غياهب السجون, والاعتقال بلا حق قانوني, وممارسات التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة السيئة التي أدّت إلى الموت في الحجز في بعض الأحيان وقد أكدت ذلك منظمة العفو الدولية.
إن مسلسل حوادث الإبادة الجماعية يجرُّ البلاد إلى الوراء ويحول دون حصول أي تقدّم أو رفاهية مادامت السلطة تسلب المواطنين حقوق التعبير والتظاهر وممارسة الشعائر الدينية وتغيّب رموز دينية مسالمة ولا تهدد الأمن والسلم الأهليين كالشيخ الزكزاكي[4] المحتجز لدى السلطات, فإن تحوّل أمن الدولة إلى أمن الحاكم والسلطة فمما لا شك فيه لن تستقر سلطة تقتل الأبرياء وتستفزّهم بالرصاص.
إن مثل هذه الممارسات السلطوية غير الحكيمة من شأنها خلق أجواء غير ايجابية بين مكونات الشعب الواحد وتسلب روح التلاحم والمودة والتعاطف بينهم وتمهّد لانتهاكات مستقبلية لا تُحمد عقباها, كما لو حدثت بين مكونين شعبيين وخرجت عن السيطرة, أو قد تواجه بردود فعل عنيفة لا تحمد عقباها, ولات حين مندم.
إن غرور السلاطين وخيلائهم وتجبرهم ليأذن بحرب من الله عليهم لا تذر منهم ديّاراً, ولا تبقي لهم آثاراً, وقد حذّر أمير المؤمنين (عليه السلام) مالك الأشتر من مثل هذه الانحرافات, إذ قال له: (... إياك ومساماة[5] الله في عظمته والتشبه به في جبروته, فإن الله يذل كل جبّار ويهين كل مختال, أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك, ومن لك فيه هوى[6] من رعيتك, فإنك ألّا تفعل تظلم, ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده, ومن خاصمه الله أدحض حجته[7], وكان لله حرباً حتى ينزع[8] ويتوب ...)[9].
___________________________________