16/11/2022
7592 مشاهدة
قبائل بوركينا فاسو حضارة أفريقية خالصة
تقرير/ محمد عبد الستار
باحث دكتوراه متخصص في الفكر السياسي/ جامعة القاهرة
ارتبطت القبائل الأفريقية في الذهنية العربية؛ بأنها قبائل بدائية لا علاقة لها بأى شكل من أشكال وصور الحضارة الأنسانية. وهو ما يتنافى مع وجود العديد من الشواهد التاريخية على وجود العديد من النظم السياسية؛ ولقد كانت أفريقيا مثل أوروبا من حيث البنية السياسية المتمثلة بدول متجاورة. وحيث قامت العديد من المالك في أفريقيا والتي استمرت لفترات طويلة قبل عملية التكالب الاستعماري على أفريقيا والذي قامت فيه القوى الاستعمارية بهدم وإقتلاع كل هذه الممالك؛ وذلك لكي يدعم مزاعمه حول رسالته الحضارية التي قام من أجلها بغزو استعماري للقارة الأفريقية. وإدعائه بأنهم أي المستعمرون هم من قاموا بوضع القواعد القانونية والنظام والعدالة الجنائية. وهو ما دحضه علماء التاريخ الأفريقى بتأكيدهم وجود نظم عدالة جنائية في أفريقيا ولاسيما في منطقة غرب أفريقيا؛ التي شهدت قيام الكثير من الممالك الأفريقية والاسلامية ومنها مملكة صنغاي Songhai وهي من الممالك الإسلامية القوية في غرب أفريقيا حيث تقع في أجزاء من فولتا العليا (بوركينا فاسو) وداهومي وباسوفي شمال نيجيريا. وقد طبقت في هذه المملكة قواعد العدالة الجنائية والتي استندت على المباديء الإسلامية. وكذلك مملكة كانم-بورنو Kanem-Bornu وإمبراطورية أويو the Oyo Empire ومملكة الأشانتي في غانا ومملكة اليوروبا في نيجيريا. هذه القبائل كانت تشكل كيانات تعد المعادل الموضوعي لفكرة الدولة من حيث الأرض والسلطة والشعب.
وقد كانت هناك العديد من الكيانات التى حملت شغلة الثقافة والحضارة في أفريقيا على مدار التاريخ ومن هذه الكيانات غانا من القرن السادس وحتى سنة 1240 ثم إمبراطورية المانديج (وعاصمتها مالي) وتبعتها إمبراطورية جاو وإمبراطورية ياتنجا( موسى).
الكيانات والنظم الأفريقية فيما قبل المرحلة الاستعمارية (إمبراطورية الموسى نموذجاً)
ومن الكيانات التي نشأت في غرب أفريقيا إمبراطورية الموسى في نطاق ما يسمى الآن "بوركينا فاسو". وتعد بوركينا فاسو (فولتا العليا) دولة مغلقة ليس لها منافذ بحرية في غرب أفريقيا؛ تحيطها النيجر من الشرق ومالي من الشمال والغرب وبنين وتوجو وغانا وساحل العاج من الجنوب، وكانت جزءً من غرب أفريقيا الفرنسي بعد عام 1896 وحصلت على استقلالها في عام 1960 وأعيد تسميتها في 1984 بالاسم الجديد وهو بوركينا فاسو وتعني أرض الرجال الصادقين "the land of honest men.". وتاريخياً فإن بوركينا فاسو كانت جزءً من إمبراطورية مالي. وهي دولة بها تنوع اثني ولغوي كبير. ويدين 45% من السكان بالديانات التقليدية و50% مسلمون والأقلية المتعلمة ذات النفوذ من الكاثوليك. وهناك 35 مجموعة عرقية تقريباً؛ منها حوالي أثنى عشرة مجموعة عرقية تحترف فن النحت التقليدي. وتنتمي تلك المجموعات العرقية إلى مجموعتين لغويتين كبيرتين؛ هما الماندي Mande في الغرب والفولتية Voltaic في الشرق. ومن أهم وأكبر قبائلها هي Boboبوبو Mande ماندي لوبي Lobi فولاني Fulani جورونسى Gurunsi سينوفو Senufo.
وقد كانت هضبة موسى الوسطى أحد مراكز القوة للأفارقة الذين يعيشون في غربي القارة الإفريقية. وتعد قبائل الموسى في بوركينا فاسو من أقدم السكان ويشكلون 48% من السكان. وقد وصلت هذه القبائل إلى حوض فولتا the Volta Basin في مجموعات صغيرة، وسيطروا على جماعات السكان الأصليين أما عن طريق الغزو أو الإندماج السلمي. ويرجع العلماء أن بدايات نشأة هذا الكيان المسمى الموسى Mossi إلى أوائل القرن الخامس عشر واستمرت لمدة 800 عام؛ في اقليم فولتا وتشير هذه المنطقة إلى فضاء يمتد من شمال غانا إلى نطاق أكبر من بوركينا فاسو في الوقت الحالي وقد كانوا بارعين في فنون الفروسية. وقد تم إيقاف توسع الإمبراطورية في القرن التاسع عشر مع عملية التكالب الإستعمارى والتقسيم الذي تم وفقا لمؤتمر برلين عام 1881 ومع سقوط العاصمة واجادودجو.
ويأتي في قمة هرم السلطة لإمبراطورية الموسى الأمبراطور the Mogho Naba وهو يعتبر رمز الشمس، كما أنه رأس الجيوش وقاضى القضاة. وتتكون الإمبراطورية من ممالك تنقسم بدورها إلى مقاطعات، ثم الإقطاعيات وكل إقطاعية تتكون من عدة قرى. وتتميز هذه الإمبراطورية بعنصرين رئيسيين هما عالم السلطة السياسية وعالم الطقوس والشعائر الدينية.
وقد كان هناك تفاوت في العلاقة بين السلطة والجماعات والكيانات المكونة لإمبراطورية الموسى. فعلى سبيل المثال في منطقة Mamprugu فإن المرونة والحق في الاختيار تجعل هناك درجة من التكامل بين مجموعة السكان الأصليين في كلا من ممارسة الطقوس والسياسة. بينما في منطقة Ouagadougou كانت عملية الغزو والإخضاع لها أثر في مركزية النظام السياسي.
هذا التباين والمستويات المختلفة من التعاون كان نتيجة للتكوين السياسى لهذه الإمبراطورية التى قامت على أساس إستيعاب المجتمعات الأصلية في إمبراطورية " موسى".
فن النحت والأقنعة عند قبائل بوركينا فاسو
يتسم الفن الأفريقي بالثراء الشديد والابتكار، والإيقاع النابض، ويضفي على الثقافة الأفريقية تميزاً؛ وخاصة فن النحت المتجذر في الحضارات القديمة. فعندما كانت تجري عمليات تنقيب عن القصدير في نيجيريا؛ اكتشفت عن طريق الصدفة منحوتات كبيرة من الطين والبرونز والحجر؛ تتفوق على منحوتات العصر الإغريقى القديم.
ومايميز الفنان الأفريقي بشكل عام وفقا للمفكر السنغالي شيخ أنت ديوب؛ هي حريته في الابتكار الفني التجميلي، وثقته من قدراته ومهاراته؛ ومن ثم ينجز أعماله ببساطة السهل الممتنع. وحتى يمكننا تصور مدى قيمة الفن الأفريقي وخاصة فيما يتعلق بالمنحوتات؛ علينا أن ندرك بأنه يعالج مادة متمردة؛ أقسى من الخشب العادي (الجرانيت والعاج والمعدن والديوريت والأبنوس) بإستخدام أدوات بسيطة جدا.
وقد تعددت المدارس أو التيارات الفنية في أفريقيا ومن أبرزهم التيار الواقعي والتيار التعبيري. وتعد مدرسة "إيفي" هي المدرسة الواقعية الأكثر نموذجية في أفريقيا، وقد اشتهرت بمنحوتات من الطين والبرونز. ومن الأساليب الفنية أيضا في أفريقيا ما يعرف بأسلوب "الدوجون"؛ وهي من القبائل الموجودة في جنوب شرق مالي، ويمتد تواجدهم في دولة بوركينا فاسو، وتتميز الأقنعة من خلال هذا الأسلوب بشكل مستطيل وأنف بارز على السطح العمودي للوجه.
وقد كانت للمجتمعات والجماعات الزنجية في منطقة غرب أفريقيا من نهر السنغال حتى الحدود الشرقية لنيجيريا، أو ما يطلق عليهم الزنوج السودانيون أو الحقيقيون، ومن أهم قبائلها الفولاني (الموجودة في الوقت الحالي في دولة بوركينا فاسو)؛ حضارة عظيمة في الكثير من جوانبها؛ ولعل أبرز نتاج هذه الحضارة تلك التقاليد الفنية الراسخة؛ والتي تتجلى في فن النحت على المعادن، والبرونز، والفخار المحروق، والخشب كالأبنوس والماهوجنى.
ومن الفنون التراثية التي لها عمق حضاري في بوركينا فاسو ما يعرف بفن الأقنعة Mask Art، كما يعد فن النحت التقليدى traditional sculpture من الفنون ذات الشهرة العالمية.
وقد كان القصد من صناعة التماثيل أو المنحوتات في كل أفريقيا جنوب الصحراء وفي مصر هو عمل نسخة خالدة للميت على الأرض؛ ثم توضع في مكان مقدس ويصبح مقصداً للقرابين وإراقة الخمر. وهي رمز للسلف الذي عاد ليعيش بين الأحياء؛ لذلك لم يهتم كثيراً الفنان الأفريقي بالأبعاد والتشريح في منحوتاته كما هو الحال في الغرب.
ويمكن القول بأن فن شعب بوركينا فاسو هو استثنائي ومتميز جدا في غرب أفريقيا. والفن من المنظور الأفريقي لايعد عملا منفصلاً عن الواقع بل هو جزء من حياتهم اليومية. فجميع أنواع الفنون تستخدم في الحياة اليومية؛ ولا يقتصر على وجوده في المتاحف. وكما يشير شيخ أنتا ديوب في كتابه "الأمم الزنجية والثقافة" أنه لطالما كان الفن الأفريقي في خدمة قضايا اجتماعية، وأن الفنان الأفريقي يصل إلى الجميل عبر المفيد.
وتختلف المجموعات العرقية في بوركينا فاسو من حيث الأساليب الفنية في نقش المنحوتات والأقنعة وفقا لتقسيماتهم اللغوية؛ حيث تتنوع طرق إستخدام الألوان والأبعاد المستخدمة. وحيث تتنوع أشكال هذه الفنون في مختلف القرى. ففي حين تقوم قبائل الموسى بنحت أنماط هندسية باللون الأحمر الأبيض والأسود على أقنعة وجه ثنائية الأبعاد، نجد مجموعة أو قبائل الماندي Mande والبوبو Bobo تستخدم لوحة أوسع من الألوان في أقنعة ثلاثية الأبعاد ذات جبين حاد أفقي. أيضاً ونتيجة لتحركات جماعات كثيرة في جميع أنحاء غرب السودان بعد إنهيار إمبراطورية مالي؛ فقد جلبوا معهم أنماط وأساليب جديدة من فنون النحت والأقنعة.
والمجموعات النحتية الخشبية الصغيرة التي تنتجها قبائل الموسى في بوركينا فاسو؛ هي الأكثر رواجا في أوروبا؛ وتسمى دمى موسى Mossi dolls، وهناك العديد من الأنماط، ومنها الأقنعة Mask، تنتمي للعديد من المناطق في بوركينا فاسو، وتشترك كلها في شكل أسطواني وكلها لإناث. ويتم شراء الدمى من قبل الأمهات لبناتهم اللاتي يقمن بتزيينها بالجلود والخرز. وقبل الزواج تحمل المرأة بحياء الدمى على ظهرها. وبعد الزواج يتم تسمية الدمية. وفي اعتقادهم أنها تمنح المتزوجين سرعة الإنجاب.
أما بالنسبة للأقنعة فهي لها دور ديني؛ فالأرواح تكون مرئية من خلال الأقنعة. وهذه الأقنعة قد تكون مصنوعة من الأوراق البرية أو الأعشاب؛ التي تمثل قوى الطبيعة، أو تكون منحوتة من الخشب مع أزياء من الألياف النباتية؛ التي تمثل القوى الإجتماعية في القرية. وتستخدم تقريبا ًكل مجموعة عرقية أقنعة لتكون الأرواح مرئية. فنجد أن المجموعة العرقية جورونسى Gurunsi تقوم بنحت أقنعة ذات رموز يستخدمها العرافون لتمثيل الأرواح من مناطق الأدغال المحيطة. وكل قناع يتم التعبير عما يمثله من خلال خطوات راقصة، وموسيقى مصاحبة. وأداء تعبيرى من الأطفال كما لو كانوا ممثلين بارعين يتقنون الأداء.
ومن الفنون الأخرى والتي هي محل اعتزاز وفخر ويمكن أن نطلق عليها في بعض أنحاء بوركينا فاسو لقب كاوبوي غرب أفريقيا ‘cowboys of West Africa' حيث يعد ركوب الخيل شيء هام وأساسي جداً في ثقافة جماعات معينة. مثال ذلك وبشكل خاص جماعة الفولاني والذين يفخرون بخيولهم؛ للدرجة التي يعتبرون فيها الحصان جزء من العائلة أو أعز الأصدقاء. وتعتقد قبائل الموسى أن بلادهم جاءت الى الوجود عندما هربت الأميرة يننجا Yennenga مملكة والدها على الحصان.
وكما يشير المفكر السنغالي شيخ أنتا ديوب في أطروحته عن الحضارة الأفريقية؛ بأن هذا الأفريقي ذو الحس المرهف والانفعالي والخالق للفن؛ لا يعني بأنه وكما روج لذلك الكثير من المستعمرون لا عقل له ولا حضارة وراءه؛ بل على العكس فإن هذا الزخم الفنى يعكس ثقل حضاري تمتد جذوره إلى الاف السنين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قائمة المراجع:
1-http://www.burkinafasoindia.org/originof_mossiof_kingdom.html
سفارة بوركينا فاسو في دولة الهند
4- ريما إسماعيل (مترجم) شيخ أنتديوب، الأمم الزنجية والثقافة (الجماهيرية اليبية: الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والأعلان،2001).
2-A.A. Illasu, "The Originsofthe MQSSI-DAGOMBA States"(Michigan State University: African e-Journals Project).
3-Christopher D. Roy, Burkina art and performance bibliography (The University of Lowa).
4-Amy Niang, "Aspects of Mossi History: A Bibliography"Electronic Journal of Africana Bibliography).
5-CHRISTOPHER D. ROY, MOSSI DOLL http://www.artofburkinafaso.com/wpcontent/uploads/2016/01/Mossi-Dolls.pdf
6-د/ محمد عبد الغني سعودي، أفريقية (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية،2004).