17/12/2022
4978 مشاهدة
يعدّ الحج من الفرائض التي يتفق جميع المسلمين على وجوبها على كل مسلم بالغ عاقل مستطيع, كما أنهم بلا شك يتوقون لأداء هذه الفريضة ولزيارة البقّاع المقدسة في مكة والمدينة المنورة؛ لما فيها من معالم اسلامية مقدسة تحمل في طياتها انفاس البيت النبوي –صلى الله على محمد وآله- .
فما من بقعة أو مسجد يعود لذلك الزمان إلّا ويحمل تأريخاً وإرثاً اسلامياً مكتنزاً بالأحداث, حتى أن المسير هناك يشعر السائر بالمكان أنه دوحة نبوية, ولعل قدم تقع على قدم, فترتشف الأولى من الأخرى عبيراً مباركاً ترجوا أن يثبتها على الصراط, ولا تزلّ كما تزلّ الأقدام.
ومن فضل الله تعالى ما جرى من تطوّر وسائل النقل الأمر الذي هوّن الوصول للديار المقدسة والعودة منها بيسر وسهولة لا تقارن بمشقة السفر على الدواب, فالحمد لله الذي كلف يسيراً ولم يكلف عسيراً, وأعطى على القليل كثيراً.
لكن الذي يسوء المسلمين تكاليف الحج؛ لكونها آخذة بالزيادة عاماً بعد عام؛ بسبب زيادة الضرائب والرسوم والنفقات الأخرى من قبل البلد المضيّف مع كونه بلداً اسلامياً, فالسلطات هناك ما فتأت تزيد التكاليف على الحاج حتى بلغت حداً لا يطيقه أغلب المسلمين بما في ذلك الميسورين منهم, كأن الحج إلى الديار المقدسة أخذ طابعاً استثمارياً أكثر مما هو شعيرة مقدسة بالنسبة إليهم, فباتوا يستثمرون إقبال المسلمين على الحج؛ لسداد ديون ومستحقات باهضة تلبية لمعادلات جيوسياسية[1] تفرضها دولاً غربية, وكان الأولى تلبية نداء المولى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ... الآية} [2].
فإذا كان ارتفاع تكاليف الحج عبئاً على المسلمين في الخليج والعراق فكيف لا تكون كذلك على شعوب مصر والسودان وغيرها من الشعوب التي تعاني مرارة العيش وقلة ذات اليد, زد على ذلك الشعوب الأكثر فقراً في افريقيا مثل النيجر, وجزر القمر, وسيراليون, وتشاد, ونيجيريا, إذ تضم هذه الدول نسب مرتفعة من المسلمين[3] يعيشون في فقر مدقع لا نظير له.
فلو نظرنا إلى الخارطة التي تبيّن نسبة الفقراء من السكان في دول العالم نجد أن لإفريقيا حصة الأسد من الفقراء الذين يتساقطون جوعاً مما ألم بهم من نوائب الدهر ورزاياه المتظافرة على النيل من الشعوب المستضعفة, ولعل في التقارير[4] المتواترة المؤكدة لشدة الفقر هناك ما يرفع الغموض ويزيل الالتباس, فبعد هذا البؤس الذي يعانيه المسلمون في افريقيا يزيدهم إخوانهم المسلمون في الديار المقدسة وزراً وثقلاً لإثقالهم التي تنوء بها ظهورهم, أليس من الجدير تخفيف أعباء تكاليف الحج عنهم ؟! , خصوصاً أن الاراضي المقدسة غنية بالثروات كالنفط والغاز, وكما للمسلمين الحق في ما فوق الأرض من المقدسات لهم أيضاً في ما تحتها من الخيرات ولو بمقدار تكاليف حجة الإسلام والعمرة.
فما الضير لو تحمّلت الجهات المسؤولة عن الحج هناك تكاليف حج وعمرة المسلمين من الشعوب الموسومة بالفقر والحرمان, إنها لخطوة –لو تمت- تعزز التلاحم, والتعاضد بين المسلمين, وتحقق مصداق الأمة الواحدة المتكافلة, وقد تكون فاتحة خير لزوال خصومات المسلمين في ما بينهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش