المسلمون والحروب الأهلية والمجاعة في الصومال "Les Musulmans, les Guerres Civiles et la Famine en Somalie"

13/06/2022

2301 مشاهدة

     الصومال الذي كان يمثل في الماضي نموذجا للمجتمع المتجانس عقيدة وثقافة وهوية ولغة أضحى اليوم على العكس من ذلك تماما، حيث يقدم بحسبانه النمط المثالي لما تكون عليه الدولة الممزقة، حتى أصبحت لفظة "الصوملة" في الأدبيات السياسية هي تعبير عن الدولة الفاشلة، فبمجرد أن يسمع المرء عن حصول مجاعة في منطقة ما في العالم، إلا وتكون الصومال في الذاكرة وكأنها الدولة الوحيدة التي ارتبط اسمها بالمجاعات والجفاف والحروب الأهلية على الرغم  من تهديد الجفاف والمجاعات لكثير من الدول، إلا أن مخاطر هذا التهديد  لا تمتد لفترات طويلة مثلما هو الحال في الدولة الصومالية.

سنحاول من خلال هذه المقالة إلقاء الضوء على الكارثة الإنسانية التي يعاني منها الشعب الصومالي.

     لا تُذكر جمهورية الصومال إلا وترفق دائما بكلمات على شاكلة المجاعة، القتل الحرب، التهجير؛ ولكن ما هي الأسباب وراء هذه الحالة المزرية التي وصلت إليها ما كانت تعرف (بجمهورية الصومال الديمقراطية)، ورغم موقعها الجغرافي الإستراتيجي المهم على الطرق الشمالية المؤدية إلى باب المندب، والبحر الأحمر، وقناة السويس.

     إذ تبلغ مساحتها (637.657 كيلومتر) التي تقع شمال شرق أفريقيا فيما يُعرَف بالقرن الأفريقي(1)، يحدها من الشمال خليج عدن، ومن الشرق والجنوب المحيط الهندي، ومن الجنوب الغربي كينيا ومن الغرب إثيوبيا ومن الشمال الغربي جيبوتي, وعلماً أن 98% من سكان "الصومال" مسلمون, وأغلبهم من المذهب السني.

     فقد سمع العالم أجمع بأخبار الحروب الأهلية والمجاعة, والأحوال الإنسانية الصعبة في احد دول شرق أفريقيا ألا وهو الصومال؛ إذ إنبثق النزاع من المقاومة ضد نظام الرئيس (سياد بري) نهاية الثمانينات بين عامي 1988م-1990م، وبدأ الجيش الصومالي بإشراك مختلف المجموعات المتمردة المسلحة, بما في ذلك الجبهة الديمقراطية الصومالية للإنقاذ في شمال شرق البلاد، والحركة الوطنية الصومالية في شمال غرب البلاد، والمؤتمر الصومالي الموحد في الجنوب, وتمكنت جماعات المعارضة العشائرية المسلحة في نهاية المطاف من الإطاحة بحكومة (بري) في عام 1991م. ونقلت شبكات التلفزة والأخبار صوراً مفجعة ومناظر مؤلمة تفطر الأكباد، وأدت الحرب الأهلية، التي لا تزال تدور رحاها في الصومال، إلى تعطيل الزراعة وتوزيع الغذاء في الجنوب الصومالي, ولعل الأسباب الرئيسة التي اندلعت من أجلها الحرب في البلاد تتلخص في الحساسية المفرطة بين العشائر, بعضها البعض بالإضافة إلى تكالب السيطرة على الموارد الطبيعية والمناطق الرعوية الغنية.(2)

     وإذا أمعنا النظر في هذا الموضوع نجد  (3.7 مليون) شخص يتعرض لخطر المجاعات في الصومال، وطبقًا لمنظمات المساعدة التابعة للأمم المتحدة فإن الوضع أصبح أكثر سوءًا خلال السنوات الأخيرة؛ ففي الصومال من بين كل ستة أطفال طفل لا يجد ما يسد به رمقه.

     وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى ترك ما يقرب من 1.5 مليون شخص لمنازلهم وكل ممتلكاتهم بسبب أحداث العنف، فتزيد أبعاد مشكلة التغذية بانضمام هؤلاء لللاجئين، وهناك زيادة 40% في عدد اللاجئين خلال السنين الأخيرة، اذ تؤدي الصراعات إلى انتشار مشكلة الغذاء في المناطق الرئيسة، وكذلك إلى تفاقم هذه المشاكل أكثر، وتصعب تدرجيًّا وصول يد المساعدة إلى هؤلاء المحتاجين. (3)

  واللافت للنظر أن المنطقة المنكوبة التي أعلنت الأمم المتحدة المجاعة فيها تُعد من أغنى المناطق الصومالية وأخصبها، حيث يمكن القول إنها تشكل سلة غذاء الصومال كله، ويعتمد أهلها على الزراعة.

    إن الصومال لا يواجه أزمة مجاعة فحسب، بل أزمة وجود بعد عقدين من الشلل، حيث الأمراض تفتك بالناس بالجملة، وحيث تبتلع البحار مئات كل أسبوع، وتضيق مخيمات اللاجئين في الدول المجاورة بالباحثين عن لقمة العيش"(4).

     اما نسبة المبتلين بالمجاعات حوالى 75% من تعداد السكان، ويعيشون في الأجزاء الجنوبية والوسطى من البلاد؛ حيث تدور الصراعات بعنف، وتُعرف مناطق "مودوغ" و"غالغادود" و"باكول" بأنها أكثر الأماكن ذات الدراما الإنسانية.

     وفي أغسطس 2012م, تم إنشاء الحكومة الاتحادية في الصومال, لتشكل أول حكومة مركزية دائمة في البلاد منذ بداية الحرب الأهلية, وبذلك بدأ شبه الاستقرار في البلاد.

     وفي 27 أكتوبر 2016م, زار مبعوث الأمم المتحدة بان كي مون المنطقة وبدأها بإثيوبيا، اذ قال: "دول القرن الإفريقي حققت نموا اقتصاديا واستقرارا سياسيا مهما ولكن ليس ملموسا كثيرا بعد. وحان وقت دعم هذه الجهود لوضع نهاية للأزمات والفقر، ومنح الوضع الهش الحالي ثباتا".(5)

-------------------

1- هي شبه جزيرة تقع في شرق أفريقيا في المنطقة الواقعة على رأس مضيق باب المندب من الساحل الأفريقي، وهي التي يحدها المحيط الهندي جنوباً، والبحر الأحمر شمالاً، وتقع بها حالياً: جيبوتي والصومال وإريتريا ويجاورها كينيا وأثيوبيا.

2- ينظر: تاريخ الصومال, عبدالقادر اوروما, تقديم: زبيدة طقنى عثمان، 2005م: 23.

3- نقلاً عن موقع الأمم المتحدة الرسمي, www.news.un.org

4- حول أزمة المجاعة في الصومال - مهدي حاشي ، الجزيرة نت.

5- نقلاً عن موقع آر تي الروسي, www.arabic.rt.com

المعرض


ملاحظة/ التعليق يخضع لمراجعة الادارة قبل النشر
التعليقات